مسألة : قال
الشافعي : وسمعت أهل العلم يقولون في قول الله عز وجل :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=145nindex.php?page=treesubj&link=28977قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه الآية : يعني مما كنتم تأكلون ولم يكن الله
[ ص: 135 ] عز وجل ليحرم عليهم من صيد البر في الإحرام إلا ما كان حلالا لهم في الإحلال ، والله أعلم . فلما
nindex.php?page=hadith&LINKID=925285أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقتل الغراب والحدأة والعقرب والحية والفأرة والكلب العقور دل ذلك على أن هذا مخرجه ، ودل على معنى آخر أن العرب كانت لا تأكل مما أباح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قتله في الإحرام شيئا .
قال
الماوردي : اعلم أن مقصود
الشافعي بهذه الجملة أمران :
أحدهما : إثبات أصله في التحليل والتحريم ، أنه معتبر باستطابة العرب واستخباثهم ، وقد قدمناه واستوفيناه .
والثاني : الرد على مخالفه فيه ، وهو
مالك ، فإنه قال كل الحيوان حلال إلا ما ورد نص بتحريمه ، فأباح حشرات الأرض من الجعلان والديدان وهوامها من الحيات والعقارب وسباع الدواب ، وبغاث الطير وجوارحها ، وحلل لحوم الكلاب ، وحرم لحوم الخيل ، وجعل أصله إحلال جميعها إلا ما ورد فيه نص ، استدلالا بقول الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=145لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به [ الأنعام : 145 ] . وبقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=2وإذا حللتم فاصطادوا [ المائدة : 25 ] . فعم ولم يخص قال : ولئن كان المعتبر باستطابة العرب فهم يستطيبون أكل جميعها سئل بعض العرب عما يأكلون وما يذرون ؟ فقال : نأكل كل ما دب ودرج إلا أم حبين ، فقيل له : لتهنأ أمم حبين العافية .
ودليلنا مع تقرير الأصل الذي حررنا قول الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=157ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث [ الأعراف : 175 ] . فدل على أن فيها خبيثا محرما ، وطيبا حلالا ،
ومالك جعل جميعها حلالا طيبا .
وروى
عاصم بن ضمرة عن
علي - عليه السلام عن النبي - صلى الله عليه وسلم -
nindex.php?page=hadith&LINKID=925286أنه نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير فجعل هذا في التحريم أصلا معتبرا ،
ومالك لا يعتبره ، ويجعل الكل حلالا .
[ ص: 136 ] وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=925287خمس يقتلن في الحل والحرم ، الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور وما أبيح قتله ولم يحرم في الحرم والإحرام كان حراما مستثنى من قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=2وإذا حللتم فاصطادوا [ المائدة : 25 ] . وهو انفصال عنها ، ولأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أحل بعض الحيوان وحرم بعضه ، وأغفل بعضه ، فكان نصه متبعا في ما أحل وحرم ، وبقي المغفل ، ولا بد له من أصل يعتبر فيه ، لأنه ليس له رده إلى التحليل بأولى من رده إلى التحريم ، وليس فيه إلا أحد أصلين ، إما القياس وإما عرف العرب ،
ومالك لا يعمل على واحد منهما ، ونحن نعمل عليهما ، لأننا نعتبر عرف العرب ثم ترجع إلى القياس عند التكافؤ فكنا في اعتبار الأصلين أرجح منه في ترك الأصلين .
فأما الجواب عن قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=145قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه [ الأنعام : 145 ] . في وجهين :
أحدهما : لا أجد فيما نزل به القرآن محرما إلا هذه المذكورة ، وما عداها محرم بالسنة .
والثاني : لا أجد فيما استطابته العرب محرما إلا هذه المذكورة .
وقوله : إن العرب كانت تستطيب أكل جميعها ، فإنما ذلك في جفاة البوادي ، لجدب مواضعهم في الضرورات ، فقد ذكرنا أن مثلهم لا يعتبر .
مَسْأَلَةٌ : قَالَ
الشَّافِعِيُّ : وَسَمِعْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ يَقُولُونَ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=145nindex.php?page=treesubj&link=28977قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ الْآيَةَ : يَعْنِي مِمَّا كُنْتُمْ تَأْكُلُونَ وَلَمْ يَكُنِ اللَّهُ
[ ص: 135 ] عَزَّ وَجَلَّ لِيُحَرِّمَ عَلَيْهِمْ مِنْ صَيْدِ الْبَرِّ فِي الْإِحْرَامِ إِلَّا مَا كَانَ حَلَالًا لَهُمْ فِي الْإِحْلَالِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ . فَلَمَّا
nindex.php?page=hadith&LINKID=925285أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَتْلِ الْغُرَابِ وَالْحِدْأَةِ وَالْعَقْرَبِ وَالْحَيَّةِ وَالْفَأْرَةِ وَالْكَلْبِ الْعَقُورِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ هَذَا مَخْرَجُهُ ، وَدَلَّ عَلَى مَعْنًى آخَرَ أَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ لَا تَأْكُلُ مِمَا أَبَاحَ رَسُوُلُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَتْلَهُ فِي الْإِحْرَامِ شَيْئًا .
قَالَ
الْمَاوَرْدِيُّ : اعْلَمْ أَنَّ مَقْصُودَ
الشَّافِعِيِّ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ أَمْرَانِ :
أَحَدُهُمَا : إِثْبَاتُ أَصْلِهِ فِي التَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ ، أَنَّهُ مُعْتَبَرٌ بِاسْتِطَابَةِ الْعَرَبِ وَاسْتِخْبَاثِهِمْ ، وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ وَاسْتَوْفَيْنَاهُ .
وَالثَّانِي : الرَّدُّ عَلَى مُخَالِفِهِ فِيهِ ، وَهُوَ
مَالِكٌ ، فَإِنَّهُ قَالَ كُلُّ الْحَيَوَانِ حَلَالٌ إِلَّا مَا وَرَدَ نَصٌّ بِتَحْرِيمِهِ ، فَأَبَاحَ حَشَرَاتِ الْأَرْضِ مِنَ الْجِعْلَانِ وَالدِّيدَانِ وَهَوَامِّهَا مِنَ الْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبِ وَسِبَاعِ الدَّوَابِّ ، وَبُغَاثِ الطَّيْرِ وَجَوَارِحِهَا ، وَحَلَّلَ لُحُومَ الْكِلَابِ ، وَحَرَّمَ لُحُومَ الْخَيْلِ ، وَجَعَلَ أَصْلَهُ إِحْلَالَ جَمِيعِهَا إِلَّا مَا وَرَدَ فِيهِ نَصٌّ ، اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=145لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ [ الْأَنْعَامِ : 145 ] . وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=2وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا [ الْمَائِدَةِ : 25 ] . فَعَمَّ وَلَمْ يَخُصَّ قَالَ : وَلَئِنْ كَانَ الْمُعْتَبِرُ بِاسْتِطَابَةِ الْعَرَبِ فَهُمْ يَسْتَطِيبُونَ أَكْلَ جَمِيعِهَا سُئِلَ بَعْضُ الْعَرَبِ عَمَّا يَأْكُلُونَ وَمَا يَذَرُونَ ؟ فَقَالَ : نَأْكُلُ كُلَّ مَا دَبَّ وَدَرَجَ إِلَّا أُمَّ حُبَيْنٍ ، فَقِيلَ لَهُ : لِتَهْنَأْ أُمَمُ حُبَيْنٍ الْعَافِيَةَ .
وَدَلِيلُنَا مَعَ تَقْرِيرِ الْأَصْلِ الَّذِي حَرَّرْنَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=157وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ [ الْأَعْرَافِ : 175 ] . فَدَلَّ عَلَى أَنَّ فِيهَا خَبِيثًا مُحَرَّمًا ، وَطَيِّبًا حَلَالًا ،
وَمَالِكٌ جَعَلَ جَمِيعَهَا حَلَالًا طَيِّبًا .
وَرَوَى
عَاصِمُ بْنُ ضَمْرَةَ عَنْ
عَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
nindex.php?page=hadith&LINKID=925286أَنَّهُ نَهَى عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ وَكُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنَ الطَّيْرِ فَجَعَلَ هَذَا فِي التَّحْرِيمِ أَصْلًا مُعْتَبَرًا ،
وَمَالِكٌ لَا يَعْتَبِرُهُ ، وَيَجْعَلُ الْكُلَّ حَلَالًا .
[ ص: 136 ] وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=925287خَمْسٌ يُقْتَلْنَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ ، الْغُرَابُ وَالْحِدَأَةُ وَالْعَقْرَبُ وَالْفَأْرَةُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ وَمَا أُبِيحُ قَتْلُهُ وَلَمْ يَحْرُمْ فِي الْحَرَمِ وَالْإِحْرَامِ كَانَ حَرَامًا مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=2وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا [ الْمَائِدَةِ : 25 ] . وَهُوَ انْفِصَالٌ عَنْهَا ، وَلِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَحَلَّ بَعْضَ الْحَيَوَانِ وَحَرَّمَ بَعْضَهُ ، وَأَغْفَلَ بَعْضَهُ ، فَكَانَ نَصُّهُ مُتَّبَعًا فِي مَا أَحَلَّ وَحَرَمَ ، وَبَقِيَ الْمُغْفَلُ ، وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَصْلٍ يُعْتَبَرُ فِيهِ ، لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ رَدُّهُ إِلَى التَّحْلِيلِ بِأَوْلَى مِنْ رَدِّهِ إِلَى التَّحْرِيمِ ، وَلَيْسَ فِيهِ إِلَّا أَحَدُ أَصْلَيْنِ ، إِمَّا الْقِيَاسُ وَإِمَّا عُرْفُ الْعَرَبِ ،
وَمَالِكٌ لَا يَعْمَلُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، وَنَحْنُ نَعْمَلُ عَلَيْهِمَا ، لِأَنَّنَا نَعْتَبِرُ عُرْفَ الْعَرَبِ ثُمَّ تَرْجِعُ إِلَى الْقِيَاسِ عِنْدَ التَّكَافُؤِ فَكُنَّا فِي اعْتِبَارِ الْأَصْلَيْنِ أَرْجَحَ مِنْهُ فِي تَرْكِ الْأَصْلَيْنِ .
فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=145قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ [ الْأَنْعَامِ : 145 ] . فِي وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : لَا أَجِدُ فِيمَا نَزَلَ بِهِ الْقُرْآنُ مُحَرَّمًا إِلَّا هَذِهِ الْمَذْكُورَةَ ، وَمَا عَدَاهَا مُحَرَّمٌ بِالسُّنَّةِ .
وَالثَّانِي : لَا أَجِدُ فِيمَا اسْتَطَابَتْهُ الْعَرَبُ مُحَرَّمًا إِلَّا هَذِهِ الْمَذْكُورَةَ .
وَقَوْلُهُ : إِنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تَسْتَطِيبُ أَكْلَ جَمِيعِهَا ، فَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي جُفَاةِ الْبَوَادِي ، لِجَدْبِ مَوَاضِعِهِمْ فِي الضَّرُورَاتِ ، فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مِثْلَهُمْ لَا يُعْتَبَرُ .