فصل : فإذا ثبت أنه ليس بحرام ، فهو مكروه ، واختلف أصحابنا في علة كراهته على وجهين :
أحدهما : لمباشرة الـنجاسة لقول الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=5والرجز فاهجر [ المدثر : 5 ] ، فعلى هذا يكره
nindex.php?page=treesubj&link=26492كسب كل مباشر للنجاسة من كناس ، وخراز ، وقصاب .
واختلف قائل هذا ، هل يكون كسب الفصاد من جملتهم ؟ على وجهين :
أحدهما : يكون من جملتهم ، لأنه يباشر نجاسة الدم .
والوجه الثاني : وهو قول
أبي علي بن أبي هريرة أنه لا يكره كسبه : لاقترانه بعلم الطب ، فإنه قل ما يباشر نجاسة الدم .
فأما
nindex.php?page=treesubj&link=26492الختان ، فمكروه الكسب كالحجام ، بل يزيد عليه في مباشرة العورات ، وتكون الكراهة مقصورة على مباشرة الأنجاس ، ومنتفية عمن لا يباشرها من سماك ، ودباغ .
والوجه الثاني : أن كراهة التكسب به لدناءته ، وهو الظاهر من مذهب
الشافعي : لأنه جعل من المكاسب دنيئا وحسنا ، وقد روي أن ذا قرابة
لعثمان بن عفان - رضي الله عنه - قدم عليه ، فسأله عن كسبه ، فقال : غلة حجام أو حجامين ، فقال : إن كسبكم لدنيء ، أو قال : لوسخ ، فعلى هذا يكره مع ذلك كسب السماك ، والدباغ ، والحلاق ، والقيم .
واختلف على هذا في
nindex.php?page=treesubj&link=26492_17380كسب الحجامين على وجهين :
أحدهما : مكروه ، دنيء : لأنه يشاهد العورات ويتكسب بحران غير مقدر .
والوجه الثاني : لا يكره كسبه : لأنه لا يباشر عملا ، ويمكنه غض طرفه عن العورات ، وليس يتكسب بمباشرتها : فإن أرسل طرفه صار كغيره من الناس .
وكذلك نظائر ما ذكرناه ، وجميع هذا مكروه للأحرار .
فأما العبيد ففيهم وجهان :
أحدهما : يكره لهم كالأحرار ، وهو قول الأكثرين .
[ ص: 156 ] والوجه الثاني : لا يكره لهم : لأنهم أدنى من الأحرار ، فليتأهبوا أدنى الاكتساب ، فإن أخذ ساداتهم كسبهم كره لهم أن يأكلوه ، ولم يكره لهم أن يطعموه رقيقهم وبهائمهم : لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال
لمحيصة حين سأله عنه :
nindex.php?page=hadith&LINKID=925324أعلفه ناضحك وأطعمه رقيقك والله أعلم .
فَصْلٌ : فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ ، فَهُوَ مَكْرُوهٌ ، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي عِلَّةِ كَرَاهَتِهِ عَلَى وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : لِمُبَاشَرَةِ الـنَّجَاسَةِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=5وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ [ الْمُدَّثِّرِ : 5 ] ، فَعَلَى هَذَا يُكْرَهُ
nindex.php?page=treesubj&link=26492كَسْبُ كُلِّ مُبَاشِرٍ لِلنَّجَاسَةِ مِنْ كَنَّاسٍ ، وَخَرَّازٍ ، وَقَصَّابٍ .
وَاخْتَلَفَ قَائِلُ هَذَا ، هَلْ يَكُونُ كَسْبُ الْفَصَّادِ مِنْ جُمْلَتِهِمْ ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : يَكُونُ مِنْ جُمْلَتِهِمْ ، لِأَنَّهُ يُبَاشِرُ نَجَاسَةَ الدَّمِ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي : وَهُوَ قَوْلُ
أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ لَا يَكْرَهُ كَسْبَهُ : لِاقْتِرَانِهِ بِعِلْمِ الطِّبِّ ، فَإِنَّهُ قَلَّ مَا يُبَاشِرُ نَجَاسَةَ الدَّمِ .
فَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=26492الْخَتَّانُ ، فَمَكْرُوهُ الْكَسْبِ كَالْحَجَّامِ ، بَلْ يَزِيدُ عَلَيْهِ فِي مُبَاشَرَةِ الْعَوْرَاتِ ، وَتَكُونُ الْكَرَاهَةُ مَقْصُورَةً عَلَى مُبَاشَرَةِ الْأَنْجَاسِ ، وَمُنْتَفِيَةً عَمَّنْ لَا يُبَاشِرُهَا مَنْ سَمَّاكٍ ، وَدَبَّاغٍ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّ كَرَاهَةَ التَّكَسُّبِ بِهِ لِدَنَاءَتِهِ ، وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ
الشَّافِعِيِّ : لِأَنَّهُ جَعَلَ مِنَ الْمَكَاسِبِ دَنِيئًا وَحَسَنًا ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ ذَا قَرَابَةٍ
لِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَدِمَ عَلَيْهِ ، فَسَأَلَهُ عَنْ كَسْبِهِ ، فَقَالَ : غَلَّةُ حَجَّامٍ أَوْ حَجَّامَيْنِ ، فَقَالَ : إِنْ كَسَبَكُمْ لَدَنِيءٌ ، أَوْ قَالَ : لَوَسِخٌ ، فَعَلَى هَذَا يُكْرَهُ مَعَ ذَلِكَ كَسْبُ السَّمَّاكِ ، وَالدَّبَّاغِ ، وَالْحَلَّاقِ ، وَالْقَيِّمِ .
وَاخْتُلِفَ عَلَى هَذَا فِي
nindex.php?page=treesubj&link=26492_17380كَسْبِ الْحَجَّامِينَ عَلَى وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : مَكْرُوهٌ ، دَنِيءٌ : لِأَنَّهُ يُشَاهِدُ الْعَوْرَاتِ وَيَتَكَسَّبُ بِحرَانٍ غَيْرِ مُقَدَّرٍ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي : لَا يُكْرَهُ كَسْبُهُ : لِأَنَّهُ لَا يُبَاشِرُ عَمَلًا ، وَيُمْكِنُهُ غَضُّ طَرْفِهِ عَنِ الْعَوْرَاتِ ، وَلَيْسَ يَتَكَسَّبُ بِمُبَاشَرَتِهَا : فَإِنْ أَرْسَلَ طَرَفَهُ صَارَ كَغَيْرِهِ مِنَ النَّاسِ .
وَكَذَلِكَ نَظَائِرُ مَا ذَكَرْنَاهُ ، وَجَمِيعُ هَذَا مَكْرُوهٌ لِلْأَحْرَارِ .
فَأَمَّا الْعَبِيدُ فَفِيهِمْ وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا : يُكْرَهُ لَهُمْ كَالْأَحْرَارِ ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ .
[ ص: 156 ] وَالْوَجْهُ الثَّانِي : لَا يُكْرَهُ لَهُمْ : لِأَنَّهُمْ أَدْنَى مِنَ الْأَحْرَارِ ، فَلْيَتَأَهَّبُوا أَدْنَى الِاكْتِسَابِ ، فَإِنْ أَخَذَ سَادَاتُهُمْ كَسْبَهُمْ كُرِهَ لَهُمْ أَنْ يَأْكُلُوهُ ، وَلَمْ يُكْرَهْ لَهُمْ أَنْ يُطْعِمُوهُ رَقِيقَهُمْ وَبَهَائِمَهُمْ : لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ
لِمُحَيِّصَةَ حِينَ سَأَلَهُ عَنْهُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=925324أَعْلِفْهُ نَاضِحَكَ وَأَطْعِمْهُ رَقِيقَكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .