الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : ولو قال : والله لا أكلت قوتا ، فالأقوات ما قامت بها الأبدان ، وأمكن الاقتصار عليها ، وهو معتبر بالعرف ، والعرف فيه ضربان : عرف شرع ، وعرف استعمال .

                                                                                                                                            فأما عرف الشرع فهو منطلق على ما وجبت فيه زكاة العين ، وجاز إخراجه في زكاة الفطر ، فيحنث بأكله ، سواء دخل في عرف قوته أو خرج عنه ؛ لأن عرف الشيء عام كعموم أحكامه فيحنث بأكل التمر والزبيب والذرة والشعير ، وإن لم يكن من أقواته .

                                                                                                                                            وأما عرف الاستعمال فما خالف عرف الشرع ، فضربان : عرف اختيار ، وعرف اضطرار .

                                                                                                                                            [ ص: 443 ] فأما عرف الاختيار ، فكالبوادي يقتاتون ألوان الحبوب وسكان جزائر البحار يقتاتون لحوم الصيد ، وسكان تلك الجبال يقتاتون لحوم الصيد ، فيحنث كل قوم منهم بأكل عرفهم في أقواتهم ، ولا يحنثون بعرف غيرهم ؛ لخصوصه في عرفهم ، ويحنثون بالعرف الشرعي ؛ لعمومه فيهم ، ولا يحنث غيرهم بعرفهم لخصوصه فيهم .

                                                                                                                                            وأما عرف الاضطرار فكأهل الفلوات يقتاتون الحشيش في زمان الجدب ، ويقتاتون الألبان في غيرها في زمان الخصب ، فيحنثون في زمان الجدب بقوتهم في الجدب والخصب ، ويحنثون في زمان الخصب بقوتهم في الخصب دون الجدب ، ويكون عرف الزمان معتبرا كما كان عرف المكان معتبرا .

                                                                                                                                            ولو حلف لا يأكل طعاما حنث بكل مطعوم من قوت وإدام وفاكهة وحلوى ؛ لأن جميعها مطعومة ، فانطلق اسم الطعام عليها ، ولا يحنث بأكل الدواء ، وإن كان مطعوما ؛ لأن اسم الطعام لا ينطلق عليه .

                                                                                                                                            وحكي عن محمد بن الحسن أنه لا يحنث في الطعام إلا بأكل الحنطة وحدها اعتبارا باسمه عرفا ، وهذا فاسد ؛ لقول الله تعالى : كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه [ آل عمران : 93 ] يريد كل مطعوم فصار اسم الطعام في الشرع منطلقا على كل مطعوم ، وفي العرف منطلقا بالعراق على الحنطة ، فكان حمله على عرف الشرع أولى . . . فإن كانت له نية حمل في جميع ما ذكرنا على نيته .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية