الباب الرابع في بيان الأولياء وأحكامهم
وفيه ثمانية أطراف .
[ الطرف ] الأول : في أسباب الولاية ، وهي أربعة .
[ السبب ] الأول : الأبوة ، وفي معناها الجدودة ، وهي أقوى الأسباب ، لكمال الشفقة ، فللأب تزويج البكر الصغيرة والكبيرة بغير إذنها ، ويستحب استئذان [ ص: 54 ] البالغة . ولو أجبرها ، صح النكاح . فلو كان بين الأب وبينها عداوة ظاهرة ، قال ابن كج : ليس له إجبارها ، وكذا نقله الحناطي عن ابن المرزبان ، قال : ويحتمل جوازه . فأما الثيب ، فلا يزوجها الأب إلا بإذنها في حال البلوغ ، والجد كالأب في كل هذا ، وحكى الحناطي قولا : أن الجد لا يجبر البكر البالغة ، واختاره ابن القاص وأبو الطيب بن سلمة ، والمشهور الأول .
وسواء حصلت الثيوبة بوطء محترم أو زنا . وحكي عن القديم : أن المصابة بالزنا كالبكر . والمذهب الأول ، ولو زالت بكارتها بسقطة ، أو أصبع ، أو حدة الطمث ، أو طول التعنيس ، أو وطئت في دبرها ، فبكر على الصحيح . ولو وطئت مجنونة ، أو مكرهة ، أو نائمة ، فثيب على الصحيح . ولو خطب البكر رجل ، فمنعها أبوها ، فذهبت وزوجت نفسها به ، ثم زوجها الأب غيره بغير إذنها ، إن كان الأول لم يطأها ، صح تزويج الأب ، وإلا ، فلا ، لأنها ثيب بوطء شبهة .
قلت : إنما يصح تزويج الأب ، إذا لم يكن حكم بصحة نكاحها بنفسها حنفي ونحوه . - والله أعلم - .
فرع
إذا التمست البكر البالغة التزويج وقد خطبها كفء ، لزم الأب والجد إجابتها ، فإن امتنع ، زوجها السلطان . وفي وجه : لا تلزمه الإجابة ، ولا يأثم بالامتناع ، لأن الغرض يحصل بتزويج السلطان ، وهو ضعيف . ولو التمست صغيرة بلغت إمكان الشهوة ، قال بعضهم : لزمه إجابتها .
[ ص: 55 ] قلت : هذا ضعيف . - والله أعلم - .
فرع
عينت كفئا ، وأراد الأب تزويجها بكفء آخر ، كان له ذلك على الأصح .
قلت : قال الشافعي - رضي الله عنه - : استحب للأب أن لا يزوج البكر حتى تبلغ ويستأذنها . قال الصيمري : فإن قاربت البلوغ ، وأراد تزويجها ، استحب أن يرسل إليها ثقات ينظرن ما في نفسها . قال الصيمري : ولو خلقت المرأة بلا بكارة ، فهي بكر . ولو ادعت البكارة أو الثيوبة ، فقطع الصيمري وصاحب " الحاوي " : بأن القول قولها ، ولا يكشف حالها ، لأنها أعلم .
قال صاحب " الحاوي " : ولا تسأل عن الوطء ، ولا يشترط أن يكون لها زوج . قال الشاشي : وفي هذا نظر ، لأنها ربما أذهبت بكارتها بأصبعها ، فله أن يسألها . فإن اتهمها ، حلفها . - والله أعلم - .


