[ ص: 426 ] كتاب العارية 
هي بتشديد الياء . قال  الخطابي  في الغريب : وقد تخفف ، وفيه بابان . 
الأول : في أركانها ، وهي أربعة . 
الأول : المعير  ، ويعتبر فيه أن يملك للمنفعة ، وأن لا يكون محجورا عليه في التبرعات ، فيجوز للمستأجر أن يعير لأنه يملك المنفعة ، وللموصى له بخدمة عبد أو سكن دار ونحوهما أن يعيرهما ، وليس للمستعير أن يعير على الصحيح ، ولكن له أن يستوفي المنفعة لنفسه بوكيله . 
قلت : قال صاحب العدة : ليس للأب أن يعير ولده الصغير لمن يخدمه ؛ لأن ذلك هبة لمنافعه ، فأشبه إعارة ماله . وهذا الذي قاله ، ينبغي أن يحمل على خدمة تقابل بأجرة ، أما ما كان محقرا بحيث لا يقابل بأجرة ، فالظاهر الذي تقتضيه أفعال السلف : أنه لا منع منه إذا لم يضر بالصبي ، وقد سبق في كتاب " الحجر " نحو هذا . والله أعلم . 
الركن الثاني : المستعير  ، ويشترط فيه كونه أهلا للتبرع عليه بعقد يشتمل على إيجاب وقبول بقول أو فعل ، فلا تصح الإعارة للصبي ، كما لا يوهب له . 
الركن الثالث : المستعار ، وله شرطان : 
أحدهما : كونه منتفعا به مع بقاء عينه  ، كالعبد ، والثوب ، والدابة ، والدار ، فلا يجوز إعارة الطعام قطعا ، ولا الدراهم والدنانير على الأصح . 
قال الإمام : ويجري الوجهان في إعارة الحنطة والشعير ونحوهما . ثم السابق إلى الفهم من كلام   [ ص: 427 ] الأصحاب ، أن الخلاف فيما إذا أطلق إعارة الدراهم ، فأما إذا صرح بالإعارة للتزيين ، فينبغي أن يقطع بالصحة ، وبه قطع  المتولي  ؛ لأنه اتخذ هذه المنفعة مقصودا وإن ضعفت ، وإذا لم نصححها ، فجرت ، فهي مضمونة على الصحيح ؛ لأن العارية الصحيحة مضمونة ، وللفاسد حكم الصحيح في الضمان ، وقيل : لا ضمان ؛ لأن ما جرى بينهما ليس بعارية صحيحة ولا فاسدة . ومن قبض مال غيره بإذنه لا لمنفعته ، كان أمانة . 
الشرط الثاني : كون المنفعة مباحة  ، فيحرم استعارة الجارية للاستمتاع . وأما للخدمة ، فيجوز إن أعارها لمحرم أو امرأة ، وإلا فلا يجوز ، لخوف الفتنة ، إلا إذا كانت صغيرة لا تشتهى ، أو قبيحة ، فوجهان . 
قلت : أصحهما : الجواز ، وبه قطع جماعة ، منهم صاحب " التهذيب " . والله أعلم . 
قال   الغزالي     : وإذا أعارها ، صحت الإعارة ، وإن كانت محرمة . ويشبه أن يقال بالفساد ، كالإجارة للمنفعة المحرمة ، ويشعر به إطلاق الجمهور نفي الجواز . 
فرع 
يكره استعارة أحد الأبوين للخدمة  لأن استخدامهما مكروه ، ولفظ الإمام بنفي الحل . 
قلت : الذي قاله الأصحاب ، أنه يكره كراهة تنزيه ، قال  الجرجاني     : ويكره أيضا استئجارهما . وقد يجوز إعارة ما لا يجوز إجارته ، وهو الفحل للضراب ، والكلب للصيد ، فإن إعارتهما صحيحة ، وإجارتهما باطلة على الأصح . والله أعلم . 
 [ ص: 428 ] وتكره إعارة العبد المسلم لكافر  كراهة تنزيه . 
قلت : صرح  الجرجاني  وآخرون ، بأنها حرام ، وصرح صاحب المهذب وآخرون ، بأنها لا تجوز ، وظاهره التحريم ، ولكن الأصح الجواز ، وقد سبق في أول البيوع . والله أعلم . 
فرع 
يحرم على الحلال إعارة الصيد من المحرم  ، فإن فعل فتلف في يده ، ضمن الجزاء لحق الله تعالى ، والقيمة للحلال . ولو أعار المحرم حلالا ، فإن قلنا : المحرم يزول ملكه عن الصيد فلا قيمة له على الحلال لأنه غير مالك ، وعلى المحرم الجزاء لحق الله تعالى إن تلف في يد الحلال ؛ لأنه متعد بالإعارة ، فإنه يلزمه إرساله . وإن قلنا : لا يزول ، صحت الإعارة ، وعلى الحلال القيمة إن تلف عنده . 
فرع 
دفع شاة إلى رجل وقال : ملكتك درها ونسلها  ، فهي هبة فاسدة ، وما حصل في يده من الدر والنسل ، كالمقبوض بالهبة الفاسدة ، والشاة مضمونة بالعارية الفاسدة . ولو قال : أبحت لك درها ونسلها ، فوجهان : 
أحدهما : أنه كقوله : ملكتك . 
والثاني : أنها إباحة صحيحة ، والشاة عارية صحيحة ، وبه قطع  المتولي     . 
قلت : هذا أصح ، واختاره أيضا   القاضي أبو الطيب  ، وصاحب " الشامل " ، وحكم   [ ص: 429 ] هذان  والمتولي  بالصحة فيما إذا أعاره الشاة ليأخذ لبنها ، أو أعاره شجرة ليأخذ ثمرها . والله أعلم . 
فعلى هذا ، قد تكون العارية لاستفادة عين  ، وليس من شرطها أن يكون المقصود مجرد المنفعة ، بخلاف الإجارة . ولو قال : ملكتك درها ، أو أبحتكه على أن تعلفها ، قال  البغوي     : العلف أجرة الشاة وثمن الدر والنسل ، فالشاة غير مضمونة لأنها مقبوضة بإجارة فاسدة ، والدر والنسل مضمونان في الشراء الفاسد . وكذا لو دفع قراضة إلى سقاء ، وأخذ الكوز ليشرب ، فسقط الكوز من يده وانكسر ، ضمن الماء لأنه مأخوذ بالشراء الفاسد ، ولم يضمن الكوز لأنه في يده بإجارة فاسدة ، وإن أخذه مجانا ، فالكوز عارية ، والماء كالمقبوض بالهبة الفاسدة . 
فرع 
قال  المتولي     : تعيين المستعار عند الإعارة  ، ليس بشرط . حتى لو قال : أعرني دابة ، فقال : ادخل الإصطبل فخذ ما أردت ، صحت العارية ، بخلاف الإجارة ، فإنها تصان عن مثل هذا ؛ لأن الغرر لا يحتمل في المعاوضات . 
				
						
						
