الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        الشرط الثاني : عدم تكذيبه ، فيشترط لصحة الإقرار عدم تكذيب المقر له ، وإن كنا لا نشترط قبوله لفظا . فإن كذبه نظر ، إن كان المقر به مالا ، ففيما يفعل به أوجه . أصحها : يترك في يد المقر .

                                                                                                                                                                        والثاني : ينتزعه الحاكم ويتولى حفظه إلى أن يظهر مالكه . فإن رأى استحفاظ صاحب اليد ، فهو كما لو استحفظ [ ص: 359 ] عدلا آخر .

                                                                                                                                                                        والثالث : يجبر المقر له على القبول والقبض ، وهو بعيد . قال الشيخ أبو محمد : موضع الخلاف ما إذا قال المقر : هذا المال لفلان فكذبه . فأما إذا قال للقاضي : إن في يدي مالا لا أعرف مالكه ، فالوجه : القطع بأن القاضي يتولى حفظه . وأبعد بعضهم ، فلم يجوز انتزاعه هنا أيضا . ولو رجع المقر له عن الإنكار ، وصدق المقر ، فقد حكى الإمام ، والغزالي القطع بقبوله وتسليم المال إليه .

                                                                                                                                                                        والأصح ، ما ذكره المتولي وغيره : أنه مفرع على الخلاف . فإن قلنا : يترك في يد المقر ، فقد حكمنا ببطلان الإقرار ، فلا يصرف إلى المقر له بإقرار جديد .

                                                                                                                                                                        وإن قلنا : ينتزعه الحاكم ويحفظه ، لم يسلم إليه أيضا . بل لو أقام بينة بأنه ملكه ، لم تسمع ، وإنما يسلم إليه إذا قلنا بالوجه الثالث البعيد ، فحصل أن المذهب عدم تسليمه إليه . ولو رجع المقر في حال إنكار المقر له ، وقال : غلطت ، أو تعمدت الكذب ، فإن قلنا : ينتزعه الحاكم لم يقبل . وإن قلنا : يترك في يده فوجهان .

                                                                                                                                                                        أصحهما عند الجمهور : يقبل . وأصحهما عند الإمام والغزالي : لا يقبل . وجميع ما ذكرناه في الإقرار بثوب ونحوه . فلو أقر له بعبده ، فأنكره ، فوجهان :

                                                                                                                                                                        أحدهما : يحكم بعتقه ؛ لأنهما لا يدعيانه ، كاللقيط إذا قال بعد بلوغه : أنا عبد لزيد ، فأنكر زيد ، يحكم بحريته . وأصحهما : لا يعتق ؛ لأنه محكوم برقه ، فلا يرفع إلا بيقين ، بخلاف اللقيط ، فإنه محكوم بحريته بالدار ، فعلى هذا ، حكمه كالثوب ونحوه على ما مضى . أما إذا كان المقر به قصاصا ، أو حد قذف ، فكذبه المقر له ، فيسقط ، وكذا لو أقر بسرقة توجب القطع ، وأنكر رب المال السرقة فلا قطع . وفي المال ما سبق . ولو أقرت بالنكاح ، وأنكر ، سقط حكم الإقرار في حقه .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        في يده عبدان ، فقال : أحدهما لزيد ، ثم عين أحدهما ، فقال زيد : إنما عبدي الآخر ، فهو مكذب للمقر في المعين ، ومدع في الآخر .

                                                                                                                                                                        [ ص: 360 ] فرع

                                                                                                                                                                        ادعى على رجل ألفا من ثمن مبيع ، فقال : قد أقبضتك الألف ، وأقام بينة على إقراره بالقبض يوم كذا ، فأقام المدعي بينة على إقرار المشتري بعد بينته بأنه ما أقبضه الثمن سمعت ، وألزم المشتري الثمن ؛ لأنه وإن قامت البينة على إقرار البائع بالقبض ، فقد قامت أيضا على أن صاحبه كذبه ، فيبطل حكم الإقرار ، وبقي الثمن على المشتري .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية