الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        الركن الثالث : المقر به . ويجوز الإقرار بالمجهول ، فإن كان ما يقر به عينا ، فشرطه أن لا يكون مملوكا للمقر حين يقر ؛ لأن الإقرار ليس إزالة ملك ، وإنما هو إخبار عن كونه مملوكا للمقر له . فلو قال : داري هذه ، أو ثوبي الذي أملكه لزيد ، فهو متناقض ، وهو محمول على الوعد بالهبة ، ولو قال : مسكني هذا لزيد ، كان إقرارا ؛ لأنه قد يسكن ملك غيره . ولو شهدت بينة أن الدار الفلانية أقر زيد بأنها ملك عمرو ، وكانت ملك زيد إلى أن أقر ، كانت الشهادة باطلة ، نص عليه . ولو قال : هي لزيد وكانت ملكي إلى وقت الإقرار ، فإقراره نافذ .

                                                                                                                                                                        والذي ذكره بعده مناقض لأوله ، فيلغو كما لو قال : هي له ، وليست له ، وهذا في الأعيان ، وكذا في الديون إذا كان له على غيره في الظاهر دين ، من قرض ، أو أجرة ، أو [ ص: 361 ] ثمن ، فقال : ديني الذي على زيد لعمرو ، فهو باطل . ولو قال : الدين الذي على زيد هو لعمرو ، واسمي في الكتاب عارية ، فهو إقرار صحيح ، فلعله كان وكيلا عنه في الإقراض والإجارة والبيع . ثم عمرو يدعي المال على زيد لنفسه ، فإن أنكر فهو بالخيار بين أن يقيم البينة على دين المقر على زيد ، ثم على إقراره له بما على زيد ، وبين أن يقيم البينة أولا على الإقرار ، ثم على الدين ، كذا ذكره القفال .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        استثنى صاحب التلخيص ثلاثة ديون ، ومنع الإقرار بها ، أحدها : الصداق في ذمة الزوج ، لا تقر به المرأة .

                                                                                                                                                                        والثاني : بدل الخلع في ذمة الزوجة ، لا يقر به الزوج .

                                                                                                                                                                        والثالث : أرش الجناية ، لا يقر به المجني عليه . فإن كانت الجناية على عبد أو مال آخر ، جاز له أن يقر به للغير ؛ لاحتمال كونه له يوم الجناية . قال الأئمة : هذه الديون ، وإن لم يتصور فيها الثبوت للغير ابتداء وتقديرا للوكالة ، فيجوز انتقالها بالحوالة ، وكذلك بالبيع على قول ، فيصح الإقرار بها عند احتمال جريان ناقل . وحملوا ما ذكره صاحب التلخيص على ما إذا أقر بها عقيب ثبوتها ، بحيث لا يحتمل جريان ناقل ، لكن سائر الديون أيضا كذلك ، فلا يصح الاستثناء ، بل الأعيان أيضا بهذه المثابة . حتى لو أعتق عبده ، ثم أقر له السيد أو غيره عقيب الإعتاق بدين أو غيره ، لم يصح ؛ لأن أهلية الملك لم تثبت له إلا في الحال ، ولم يجر بينهما ما يوجب المال . وقال أبو العباس الجرجاني في الديون الثلاثة : إن أسند الإقرار بها إلى جهة حوالة أو بيع ، إن جوزناه صح ، وإلا فعلى قولين ، كما لو أقر للحمل وأطلق .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية