( الثالث ) من الشروط ما تضمنه [ ص: 189 ] قوله ( المذهب أنه إذا أسلم ) سلم حالا أو مؤجلا وهما ( بموضع لا يصلح للتسليم أو ) سلما مؤجلا وهما بمحل ( يصلح ) له ( و ) لكن ( لحمله ) أي المسلم فيه ( مؤنة اشترط ) لتفاوت الأغراض فيما يراد من الأمكنة في ذلك ( وإلا ) بأن كان صالحا للتسليم والسلم حال أو مؤجل ولا مؤنة لحمل ذلك إليه ( فلا ) يشترط ما ذكر ويتعين محل العقد للتسليم للعرف فيه فإن عين غيره تعين ، بخلاف المبيع المعين لأن السلم لما قبل التأجيل قبل شرطا يقتضي تأخير التسليم ، ولو خرج المعين للتسليم عن الصلاحية تعين أقرب محل صالح له ولو أبعد منه ولا أجرة له فيما يظهر لاقتضاء العقد له فهو من تتمة التسليم الواجب ، ولا يثبت للمسلم خيار ولا يجاب المسلم إليه لو طلب الفسخ ورد رأس المال ولو لخلاص ضامن وفك رهن خلافا ( بيان محل ) بفتح الحاء : أي مكان ( التسليم ) للمسلم فيه للبلقيني ومن تبعه ، ولو ولم يتراضيا على محل غيرها فله الفسخ كما أفتى به انهدمت دار عينت للإرضاع المستأجر عليه البلقيني ، ويفارق ما نحن فيه بأن المدار هنا على ما يليق بحفظ المال والمؤن ، والغالب استواء المحلة فيهما ويشهد لذلك قولهم المراد بمحل العقد هنا محلته لا خصوص محله فيهما .
ولهذا قالوا لو قال تسلمه لي في بلد كذا وهي غير كبيرة كفى إحضاره في أولها وإن بعد عن منزله أو في أي محل شئت منه صح ما لم يتسع وثم على حفظ الأبدان وهو مختلف باختلاف الدور ، ولهذا لو عينا دارا للرضاع تعينت ، ومقابل المذهب ستة طرق معلومة ، ومتى اشترط التعيين فتركه لم [ ص: 190 ] يصح العقد ، وبما قررنا به كلام المصنف علم صحة قول ابن الرفعة إن محل قولهم السلم الحال يتعين فيه موضع العقد للتسليم مطلقا حيث كان صالحا له وإلا كأن فالظاهر اشتراط التعيين كما هو ظاهر كلام الأئمة وإن توقف فيه بعضهم إذ هو ظاهر ، وجزم به غيره لأن من شرط الصحة القدرة على التسليم وهو حال وقد عجز عنه في الحال ، وحينئذ فلا فرق بين الحال والمؤجل إذا لم يكن الموضع صالحا في اشتراط التعيين ، ويدل عليه كلام أسلم في كثير من الشعير وهما سائران في البحر الماوردي أيضا وقول الشارح تبعا لكثير والكلام في السلم المؤجل أما الحال فيتعين فيه موضع العقد للتسليم : أي إذا كان صالحا وإلا اشترط بما فيه من التفصيل ، وحينئذ فقد افترق الحال والمؤجل من بعض الوجوه وذلك كاف في صحة المفهوم .
حينئذ وإلا تعين كونه مؤجلا ( و ) كونه ( مؤجلا ) بالإجماع فيه وقياسا أولويا في الحال لقلة الغرر فيه كما مر ، وإنما تعين التأجيل في الكتابة لأن الأجل إنما وجب فيها لانتفاء قدرة الرقيق ، والحلول ينافي ذلك ، وكون البيع يغني عنه لا سيما إذا كان في الذمة لا يقتضي منعه على أن العرف اطرد بالرخص في مطلق السلم دون البيع ( فإن أطلق ) العقد عن التصريح بهما فيه ( انعقد حالا ) كالثمن في البيع ( وقيل لا ينعقد ) لاقتضاء العرف التأجيل فيه فسكوته عنه بمنزلة التأجيل بمجهول ورد بمنع ذلك كما لا يخفى ( ويشترط ) في المؤجل ( العلم بالأجل ) لمن يأتي ، فلو لم يكن معلوما لم يصح كإلى الحصاد أو الميسرة أو قدوم الحاج أو طلوع الشمس أو الشتاء ولم يريدا وقتهما المعين ، وكإلى أول أو آخر رمضان لوقوعه على نصفه الأول أو الآخر كله على ما نقلاه عن الأصحاب ، لكن قالا : قال ( ويصح ) السلم مع التصريح بكونه ( حالا ) إن كان المسلم فيه موجودا الإمام والبغوي : ينبغي أن يصح ويحمل على الجزء الأول من كل نصف كما في النفر قال في الشرح الصغير : وهو الأقوى ، وقال السبكي : إنه الصحيح ، ونقله الأذرعي عمن ذكر وغيره عن نص الأم وقال : إنه الأصح نقلا ودليلا ، وقال الزركشي : إنه المذهب ، وما عزاه الشيخان للأصحاب تبعا فيه الإمام ، وقد سوى بين إلى رمضان وإلى غرته وإلى هلاله وإلى أوله ، فإن قال إلى أول يوم من الشهر حل بأول جزء من أول اليوم ، وكذا الشيخ أبو حامد الماوردي ، والمعتمد الجواز .
قال السبكي : ما نقلاه عن [ ص: 191 ] الأصحاب لم أره إلا في طريقة الخراسانيين ، وقال ابن النقيب : سيأتي في الإجارة والكتابة الجزم بمقالة الإمام ا هـ .
وما ذكراه آخرا بعد الصحة من حمله على الجزء الأول من كل نصف رأي مرجوح في آخره .
أما على الراجح فيحمل على آخر جزء منه ، ولو قال في رمضان لم يصح لأنه جعل جميعه ظرفا فكأنهما قالا : يحل في جزء من أجزائه وهو مجهول ، وإنما جاز ذلك في الطلاق لأنه لما قبل التعليق بالمجهول كقدوم زيد قبله بالعام ثم تعلق بأوله لصدق اللفظ به فوجب وقوعه فيه لكونه قضية الوضع والعرف لا لتعينه ، ولهذا لو علق بتكليمها لزيد في يوم الجمعة وقع بتكليمها له أثناء يومها ولم يتقيد بأوله ، وأما السلم فلما لم يقبل التأجيل بالمجهول لم يقبله بالعام وإنما قبله بنحو العيد لأنه وضع لكل من الأول والثاني بعينه ، فدلالته على كل منهما أقوى من دلالة الظرف على أزمنته لأنه لم يوضع لكل منهما بعينه بل لزمن مبهم منها ( فإن ) العرب أو الفرس أو الروم ) ( جاز ) لأنها معلومة مضبوطة ، ويصح التأقيت بالنيروز ، وهو نزول الشمس برج الميزان ، والمهرجان بكسر الميم وقت نزولها برج الحمل ، وعيد الكفار كفصح ( عين ) العاقدان ( شهور النصارى وفطير اليهود إن عرفها المسلمون ولو عدلين منهم أو المتعاقدان بخلاف ما إذا اختص الكفار بمعرفتها لعدم اعتماد قولهم ، نعم إن كانوا عددا كثيرا يمنع تواطؤهم على الكذب جاز كما قاله ابن الصباغ لحصول العلم بقولهم واكتفى هنا بمعرفة العاقدين الأجل أو معرفة عدلين ولم يكتف بذلك في صفات المسلم فيه كما سيأتي ، لأن الجهالة هنا راجعة إلى الأجل وثم إلى المعقود عليه فجاز أن يحتمل هنا ما لا يحتمل هناك ( وإن أطلق ) الشهر ( حمل على الهلالي ) وهو ما بين الهلالين وإن اطرد عرفهم بذلك إذ هو عرف الشرع هذا إن عقد أوله ( فإن انكسر شهر ) بأن وقع العقد في أثنائه وكان التأجيل بشهور ( حسب الباقي ) بعد الأول المنكسر ( بالأهلة وتمم الأول ثلاثين ) مما بعدها ، ولا يلغي المنكسر لئلا يتأخر ابتداء الأجل عن العقد .
نعم لو عقدا في يوم أو ليلة آخر الشهر اكتفى بالأشهر بعده بالأهلة وإن نقص بعضها ، ولا يتمم الأول مما بعدها لأنها مضت عربية كوامل ، هذا إن نقص الشهر الأخير ، وإلا لم يشترط انسلاخه بل يتمم منه المنكسر ثلاثين يوما لتعذر اعتبار الهلال فيه حينئذ ( والأصح صحة تأجيله بالعيد وجمادى ) وربيع والفطر ( ويحتمل على الأول ) من ذلك لتحقق [ ص: 192 ] الاسم به فيحل بأول جزء منه ، ومن ثم لو كان العقد بعد الأول وقبل الثاني حمل عليه لتعينه كما قاله ابن الرفعة في العيدين والباقي مثلهما ، والثاني لا بل يفسد لتردده بين الأول والثاني .