الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ولو ) ( قتل ) المبيع ( بردة سابقة ) هو مثال نبه به على الضابط الأعم وهو أن يقتل بموجب سابق كقتل أو حرابة أو ترك صلاة بشروطه ( ضمنه البائع في الأصح ) لما مر فيرد ثمنه للمشتري إن كان جاهلا لعذره وإلا فلا ، وكون القتل في تارك الصلاة إنما هو على تصميمه على عدم القضاء غير ضار ، إذ الموجب هو الترك والتصميم إنما هو شرط الاستيفاء كالردة فإنها الموجبة للقتل والتصميم عليها شرط للاستيفاء ، ويتفرع على مسألتي نحو المرض والردة مؤن تجهيزه ، فهي على المشتري في الأولى وعلى البائع في الثانية : أي إن أريد تجهيز المرتد إذ الوجوب منتف فيه ، والثاني لا يضمنه البائع ولكن تعلق القتل به عيب يثبت به الأرش وهو ما بين قيمته مستحق القتل وغير مستحقه من الثمن ، ولو استلحق البائع المبيع ووجدت شروط الاستلحاق ثبت نسبه منه ، ولكن لا يبطل البيع إلا إن أقام بينة بذلك أو صدقه المشتري أخذا مما يأتي أول محرمات النكاح إن أباه لو استلحق زوجته ولم يصدقه لم ينفسخ النكاح وإن كانت أخته ، وعلم من كلام المصنف صحة بيع المرتد كالمريض المشرف على الهلاك وكذا المتحتم قتله بالمحاربة ولا قيمة على متلفه كما نقلاه في الثانية عن القفال وقول بعضهم لعله بناها ، على أن المغلب في قتل المحارب معنى الحد لكن الصحيح أن المغلب فيه معنى القصاص ، وأنه لو قتله غير الإمام بغير إذن لزمه دينه .

                                                                                                                            وقضيته أنه يلزم قاتل العبد المحارب قيمة لمالكه ، نبه على ذلك الأذرعي ، أجاب عنه الوالد رحمه الله تعالى بحمله على قاتله بأمر الإمام .

                                                                                                                            وأما المرتد [ ص: 36 ] فلا فرق في قاتله بين الإمام وغيره ، وبه صرح المتولي مع أن الحكم غير منحصر فيه وفي المرتد بل هو جار في غيرهما كتارك الصلاة والصائل والزاني المحصن بأن زنى ذمي ثم التحق بدار الحرب ثم استرق فيصح بيعهم ولا قيمة على متلفهم ، وخرج بالإتلاف ما لو غصب إنسان المرتد مثلا فتلف عنده فإنه يضمنه لتعديه على مال غيره ، وإنما لم يضمن بالقتل لأن قتله في حكم إقالة الحد ، فمن ابتدر قتله من المسلمين كان مقيما حد الله تعالى ، وهذا يمثل بعبد مغصوب في يد الغاصب يقول له مولاه اقتله ، فلو قتله لم يضمنه ولو تلف في يده ضمنه على ما جزم به الإسنوي ، ونقله عن الإمام عن الشيخ أبي علي لكنه مردود ، إذ المرتد لا قيمة له فكما لا يضمن بالإتلاف لا يضمن بالتلف .

                                                                                                                            والفرق بين مسألتنا ومسألة قول مالك المغصوب لغاصبه اقتله واضح ، وسيأتي ذلك واضحا في باب الغصب ، وأن حاصله أن الردة إن طرأت في يد الغاصب ضمنه ، وإن كانت موجودة قبل الغصب لم يضمنه .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : أو حرابة ) أي قطع طريق ( قوله : لما مر ) أي من قوله إحالة على السبب ( قوله : إذ الوجوب منتف فيه ) أي أو يحمل على ما لو تأذى الناس : برائحته مثلا فإن على سيده تنظيف المحل منه ( قوله : صدقه المشتري ) أي فيبطل ويرجع بالثمن ( قوله : صحة بيع المرتد ) أي لاحتمال إسلامه ثم إن أسلم دام البيع ، وإلا فإن كان جاهلا بالردة انفسخ البيع كما مر وإن كان عالما استقر عليه الثمن ( قوله وقبل بعضهم لعله ) أي القفال ( قوله : وقضيته ) أي [ ص: 36 ] يحمل القول بعدم ضمان من تحتم قتله بالحرابة ( قوله : غير منحصر فيه ) أي المتحتم قتله ( قوله : والزاني المحصن ) أي ولو بغير إذن الإمام في الصور الثلاث فإنه لا ضمان على قاتله ، والفرق بينهم وبين المتحتم قتله في الحرابة أما بالنسبة للصائل فظاهر لأن غرض القاتل الدفع عن نفسه وأما بالنسبة للزاني وتارك الصلاة فلعله أن المتحتم قتله في الحرابة لما كان المغلب في قتله معنى القصاص أشبه المعصوم المتعلق برقبته قصاص ، بخلاف الزاني المحصن وتارك الصلاة فإن كلا منهما تمحض قتله لحق الله تعالى فقوي سبب إهداره ( قوله : وخرج بالإتلاف إلخ ) قال مر : ولو قتل المرتد في يد غاصبه فهل يضمنه ؟ ينظر إن غصبه مرتد فلا ضمان أو غير مرتد ثم ارتد في يده ضمنه ا هـ سم على منهج ثم رأيت ما يأتي في الشارح ( قوله : فإنه يضمنه ) ضعيف ( قوله : وهذا يمثل ) أي يشبه ( قوله لكنه مردود ) معتمد ( قوله : واضح ) وهو أن المرتد لا قيمة له فعدم الضمان فيه لذلك ، بخلاف المغصوب غير المرتد فإن له قيمة ، وإنما سقط الضمان فيه لإذن المالك في إتلافه .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : إلا إن أقام بينة بذلك ) في قبول بينته حينئذ نظر ، ومخالفة لما ذكروه فيما لو باع دارا ثم ادعى وقفيتها ، وفي بعض النسخ إسقاط الهمزة من أقام فليراجع [ ص: 36 ] قوله : إذ المرتد لا قيمة له ) قد يقال فلم صح بيعه ؟ فإن قلت : معنى كونه لا قيمة له : أي على قاتله ; لأنه في معنى إقامة الحد . قلت : ينافيه قوله : بعد لا يضمن بالتلف ( قوله : واضح ) أي ; لأن العبد له قيمة




                                                                                                                            الخدمات العلمية