الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( وليس لغيرهم فتح باب إليه للاستطراق ) [ ص: 402 ] إلا بإذنهم لتضررهم ، فإن أذنوا جاز ولهم الرجوع ولو بعد الفتح كالعارية ، قال الإمام : ولا يغرمون شيئا ، بخلاف ما لو أعار أرضا لبناء أو نحوه حيث لا يقلع مجانا ، قال الرافعي ولم أره لغيره : والقياس عدم الفرق ، وفرق في المطلب بأنه هنا بنى في ملكه ، والمبني باق بحاله لا يزال فلا غرم ، بخلاف البناء على الأرض فإن المعير يقلع فيغرم أرش النقص ، وأوضحه الشيخ بأن الأولى أن يفرق بأن الرجوع هناك يترتب عليه القلع وهو خسارة فلم يجز الرجوع مجانا ، بخلافه هنا لا يترتب عليه خسارة لعدم اقتضائه لزوم سد الباب ، وخسارة فتحه إنما تترتب على الإذن لا على الرجوع مع أن فتحه لا يتوقف على الإذن وإنما المتوقف عليه الاستطراق ( وله فتحه إذا ) لم يستطرق منه سواء ( سمره ) بالتشديد أي ثقبه بالمسمار والتخفيف لغة قاله المطرزي أم لا كما في البيان ( في الأصح ) ; لأن له رفع جميع جداره فبعضه أولى .

                                                                                                                            والثاني لا ; لأن فتحه يشعر بثبوت حق الاستطراق فيستدل به عليه ، وما صححه تبعا لأصله هو ما صححه في تصحيح التنبيه ، وهو المعتمد وإن قال في زيادة الروضة : إن الأفقه المنع ، فقد قال في المهمات : إن الفتوى على الجواز فقد نقله ابن حزم عن الشافعي .

                                                                                                                            نعم لو ركب على المفتوح للاستضاءة شباكا أو نحوه جاز جزما كما نقله الإسنوي وغيره عن جمع ( ومن له فيه باب ) أو ميزاب ( ففتح آخر أبعد من رأس الدرب ) من بابه الأصلي ( فلشركائه ) أي لكل منهم ( منعه ) إذا كان بابه أبعد من الباب الأول سواء أسد الأول أم لا ; لأن الحق لغيره ، بخلاف من بابه بين المفتوح ورأس الدرب أو مقابل للمفتوح كما في الروضة عن الإمام وأقره ، قال الإسنوي : وهو ظاهر ، والمراد من هو مقابل الباب الأول كما فهمه السبكي والإسنوي والأذرعي ، ولهذا قال الإسنوي : إن كلام النووي يوهم أن المراد الباب الجديد ، وليس كذلك فإنه لو أريد ذلك لكان المنع متفقا عليه حينئذ ( وإن كان أقرب إلى رأسه ولم يسد ) الباب ( القديم ) أي ولم يترك التطرق منه ( فكذلك ) أي لشركائه منعه ; لأن انضمام الثاني إلى الأول يوجب زحمة ووقوف الدواب في الدرب فيتضررون به ، وقيل يجوز ، واختاره الأذرعي وضعف التوجيه بالزحمة بتصريحهم بأن له جعل داره حماما أو حانوتا مع أن الزحمة ووقوف الدواب في السكة وطرح الأثقال تكثر أضعاف ما كان قد يقع نادرا في فتح باب آخر للدار ا هـ .

                                                                                                                            ويمكن الجواب بأن موضع فتح الباب لم يكن فيه استحقاق بخلاف جعل داره ما ذكر ( وإن سده ) أي القديم ( فلا منع ) ; لأنه ترك بعض حقه ، ويجوز لمن داره آخر الدرب تقديم بابه فيما يختص به وجعل ما بين الدار وآخر الدرب دهليزا .

                                                                                                                            قال [ ص: 403 ] الإسنوي : ولو كان له دار بوسط السكة وأخرى بآخرها فالمتجه أنه يجوز لمن داره بينهما منعه من تقديم باب المتوسطة ، وتفسير الشيخ ذلك بقوله إلى آخر السكة ; لأنه وإن كان شريكا في الجميع لكن شركته بسببها إنما هو إليها خاصة ، وقد يبيع لغيره فيستفيد زيادة استطراق صحيح غير أنه لا يتقيد كلام الإسنوي بما فسره به ، ولو كان له في سكة قطعة أرض فبناها دورا وفتح لكل واحدة بابا جاز كما قاله البغوي في فتاويه ( ومن ) ( له داران تفتحان إلى دربين مسدودين ) أي مملوكين ( أو مسدود ) أي مملوك ( وشارع ففتح بابا ) أي أراد فتحه ( بينهما ) للاستطراق ( لم يمنع في الأصح ) لاستحقاقه المرور في الدرب ورفع الحائل بين الدارين تصرف في ملكه فلم يمنع حقه ، وما ذكره المصنف تبعا للرافعي والبغوي هو المعتمد .

                                                                                                                            والثاني المنع ونقله في الروضة عن العراقيين عن الجمهور وجرى عليه ابن المقري ; لأنه في الأولى يثبت لكل من الدارين استطراقا في الدرب الآخر لم يكن له ، وفي الثانية يثبت للملاصقة للشارع حقا في المسدود لم يكن لها ، وسواء في جريان الخلاف كما اقتضاه كلام المصنف أبقى البابين على حالهما أم سد أحدهما وإن خصه الرافعي بما إذا سد باب أحدهما وفتح الباب لغرض الاستطراق ، وعلم مما قررناه أن مراده بالمسدود المملوك وإلا فالسد لا يلزم منه الملك بدليل ما لو كان في أقصاه مسجد أو نحوه كما مر ، وتفتحان بمثناة فوقية في أوله ; لأن الدار مؤنثة ، وكذا كل فعل كان ضميرا لغائبتين كما في الدقائق ، وقد ورد به السماع في قوله تعالى { عينان تجريان } ، و { أن تزولا } ، و { امرأتين تذودان } قاله أبو حيان وجوز ابن فارس فيه الياء التحتية ( وحيث منع فتح الباب فصالحه أهل الدرب ) أي المالكون بأن لا يكون فيه نحو مسجد ( بمال صح ) ; لأنه انتفاع بالأرض ، بخلاف إشراع الجناح ; لأن الهواء لا يباع منفردا ; لأنه تابع ، فإن صالحوه على مجرد الفتح بمال لم يصح قطعا ، وحيث صح فإن قدروا للاستطراق مدة كان إجارة ، وإن أطلقوا أو شرطوا التأبيد كان بيع جزء شائع من الدرب له ، وينزل منزلة أحدهم ، كما لو صالح رجلا على مال ليجري في أرضه ماء نهر فإنه يكون تمليكا لمكان النهر ، بخلاف ما لو صالحه بمال على فتح باب من داره أو إجراء ماء على سطحه فإنه وإن صح لا يملك شيئا من الدار والسطح ; لأن السكة لا تراد إلا للاستطراق فإثباته فيها يكون نقلا للملك ، وأما الدار والسطح فلا يقصد بهما [ ص: 404 ] الاستطراق وإجراء الماء ، أما إذا كان بالسكة مسجد أو نحوه كدار موقوفة على معين أو غيره فلا يجوز ، إذ البيع لا يتصور في الموقوف وحقوقه ، قاله الأذرعي وابن الرفعة زاد الأول : وأما الإجارة والحالة هذه فيتجه فيها تفصيل لا يخفى على الفقيه استخراجه .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : وليس لغيرهم فتح باب إليه إلخ ) ومنه ما وقع السؤال عنه من جماعة بينهم عقار مشترك فاقتسموه ، فخص واحدا منهم قطعة أرض لا ممر لها ; لأن باقي العقار بممره الأصلي آل لشركائه ، فليس له فتح باب من الدرب الذي فيه العقار إلا بإذن منهم حيث لم يكن فيه مسجد قديم أو بئر أو نحوه ، لكن ينبغي أن محل صحة القسمة من أصلها حيث أمكن اتخاذ ممر للحصة المذكورة من شارع نافذ أو ملك لصاحب الحصة المذكورة أو نحو ذلك كأن أمكنه شراء محل يجعله ممرا وإلا فلا ، كما لو باع دارا واستثنى لنفسه بيتا منها ، ولم يمكنه اتخاذ ممر له فإن البيع باطل ، وليس له أن يحدث ممرا في الدرب الذي كان يمر منه بسبب خروجه من الباب الأصلي ; لأن إحداثه فيه يجعل لهذه الدار المرور من بابين : أحدهما الأصلي الذي صار حقا لشريكه ، والثاني الذي أراد إحداثه ليمر منه الآن ، فطريقه أن يسترضي [ ص: 402 ] من له حق في الدرب الذي كان يمر منه أولا ولو بمال ; لأن الحق لهم فتنبه له

                                                                                                                            ( قوله : إلا بإذنهم ) أي الجميع أخذا من العلة

                                                                                                                            ( قوله : ولهم الرجوع ) أي لكلهم أو لبعضهم فيما يظهر ; لأن الفاتح ليس شريكا ولا يلحقه ضرر بمنعهم إذ له إبقاء الباب مفتوحا وإن منع من المرور

                                                                                                                            ( قوله : وهو خسارة ) بفتح الخاء كما في المختار

                                                                                                                            ( قوله : وله ) أي للغير ( قوله : والتخفيف ) اقتصر عليه المحلي

                                                                                                                            ( قوله : والمراد ) أي من قوله أو مقابل للمفتوح

                                                                                                                            ( قوله : الباب الأول ) أي القديم

                                                                                                                            ( قوله : وضعف التوجيه ) أي انتصارا لمقابل الأصح ( قوله : فلا منع ) ظاهره وإن ترتب على فتحه ضرر لأهل الدرب لكون المحل الذي فتحه فيه ضيقا بالنسبة للأول ، ولو قيل إنه يمتنع عليه ذلك حيث ترتب عليه الضرر المذكور لم يبعد فليراجع

                                                                                                                            ( قوله : لأنه ترك بعض حقه ) أي ولا يسقط حقه من القديم بما فعله ، فلو أراد الرجوع للاستطراق من القديم وسد الحادث لم يمتنع ، ولو باع الدار المشتملة على ما ذكر لآخر قام مقامه فله الاستطراق من القديم مع سد الحادث ; لأن الدار انتقلت إليه بتلك الصفة ، فلا تغير ; لأن الممر مشترك في الأصل وهو عين [ ص: 403 ] والملك في الأعيان لا يزول إلا بمزيل وهو لم يوجد هنا فتنبه له ، ولا تغتر بما قاله بعضهم من خلافه ( قوله من تقديم باب ) أي لجهة صدر الدرب

                                                                                                                            ( قوله : بما فسره به ) أي من قوله إلى آخر السكة بل لا فرق بين التقديم إلى آخر السكة وأدناها حيث كان مع فتح الأول والاستطراق منه ( قوله : لغرض الاستطراق ) قد يوهم أن هذا ليس قيدا لمحل الخلاف وليس مرادا

                                                                                                                            ( قوله : وعلم مما قررناه ) أي في قوله أي المملوك

                                                                                                                            ( قوله : وجوز ابن فارس فيه ) أي في كل فعل كان ضميرا إلخ

                                                                                                                            ( قوله : فصالحه أهل الدرب ) أي على فتحه ليستطرق منه

                                                                                                                            ( قوله : بمال صح ) أي ويوزع المال على عدد الدور ثم يوزع ما خص كل بيت على عدد رءوس ملاكه فيما يظهر ، ثم رأيت بهامش نسخة قديمة بخط بعض الفضلاء ما يصرح بما قلناه بل ساقه مساق المنقول ، ولو كان في الدرب من يستحق المنفعة بنحو إجارة فلا بد في جواز الفتح من رضاه ولا شيء له من المال المأخوذ فيما يظهر ، ولو كان في الدرب دار موقوفة فالأقرب أن ما يخصها يصرف لجهة الوقف ولا بد في جواز ذلك من رضا من له الولاية على الوقف ورضا المستأجر لها إن [ ص: 404 ] كان

                                                                                                                            ( قوله : أما إذا كان ) محترز قوله أي المالكون بأن لا يكون فيه نحو إلخ ( قوله : لا يخفى على الفقيه ) يشير إلى ما يخص الموقوف من الأجرة إن كان قدر أجرة المثل ، وفيه مصلحة صح وإلا فلا ا هـ سم ، ونقله عن حج عن شرح الإرشاد .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 402 ] . ( قوله : من بابه الأصلي ) أي : أو ميزابه الأصلي [ ص: 403 ] قوله : وتفسير الشيخ ذلك ) أي التقديم . ( قوله : غير أنه لا يتقيد كلام الإسنوي بما فسره به ) أي بل يجري فيما إذا فتح بابا أدنى إلى رأس الدرب أي : مع بقاء الأول هذا الذي يظهر من كلامالشارح لكن هذا لا يوافق ما مر من أن المنع حينئذ إنما هو لمن بينه وبين رأس الدرب ( قول المصنف وحيث منع فتح الباب ) أي بأن أراد الاستطراق




                                                                                                                            الخدمات العلمية