الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ولو ) ( رهن ) ما له بيد غيره منه كأن رهن ( وديعة عند مودع أو مغصوبا عند غاصب ) أو مؤجرا عند مستأجر أو مقبوضا بسوم عند مستام أو معارا عند مستعير أو مأخوذا ببيع فاسد عند آخذه ( لم يلزم ) هذا الرهن ( ما لم يمض زمن إمكان قبضه ) أي المرهون كنظيره في البيع لأنه لو لم يكن في يده لكان اللزوم متوقفا على هذا الزمان وعلى القبض ، لكن سقط القبض إقامة لدوام اليد مقام ابتدائها فبقي اعتبار الزمن ، فإن كان الرهن حاضرا في قبضه مضى زمن يمكن فيه نقله إن كان منقولا ، وإن كان عقارا اعتبر مقدار التخلية وإن كان غائبا ، فإن كان منقولا اعتبر فيه مضي زمن يمكن فيه المضي إليه ونقله وإلا اعتبر مضي زمن يمكن المضي فيه إليه وتخليته ، ولو اختلفا في الإذن أو في انقضاء هذه المدة فالقول للراهن . وأفهم كلامه عدم اشتراط ذهابه إليه ، وهو الأصح ( والأظهر اشتراط إذنه ) أي الراهن ( في قبضه ) لأن يده كانت عن غير جهة الرهن ولم يقع تعرض للقبض عنه . والثاني لا يشترط لأن العقد مع صاحب اليد يتضمن الإذن في القبض ، ولو رهن الأب ماله عند طفله أو عكسه اشترط فيه مضي ما ذكر وقصد الأب قبضا إذا كان مرتهنا وإقباضا إذا كان راهنا كالإذن فيه ( ولا يبرئه ارتهانه عن الغصب ) وإن لزم ، لأنه وإن كان عقد أمانة الغرض منه التوثق وهو لا ينافي الضمان فإن المرتهن لو تعدى في المرهون ضمنه مع بقاء الرهن فإذا كان لا يرفع الضمان فلأن لا يدفعه ابتداء أولى ، وشمل كلامه ما لو أذن له بعد الرهن في إمساكه رهنا ومضت مدة إمكان قبضه ، وكذا لا يبرأ المستعير بالرهن وإن منعه المعير الانتفاع لما مر ، ويجوز له الانتفاع بالمعار الذي ارتهنه لبقاء الإعارة ، فإن رجع المعير فيه امتنع ذلك عليه ، وللغاصب إجبار الراهن على إيقاع يده عليه ليبرأ من الضمان ثم يستعيده منه بحكم الرهن .

                                                                                                                            فإن لم يقبل رفع إلى الحاكم ليأمره بالقبض ، فإن أبى قبضه الحاكم أو مأذونه ويرده إليه ، ولو قال له القاضي : أبرأتك أو استأمنتك أو أودعتك ، قال صاحب التهذيب في كتابه التعليق : برئ وليس للراهن إجباره على رد المرهون إليه ليوقع يده عليه ثم يستعيده منه المرتهن بحكم الرهن إذ لا غرض له في براءة ذمة المرتهن ( ويبرئه ) عن الغصب ( الإيداع في الأصح ) لأن الإيداع ائتمان وهو ينافي الضمان بدليل أنه لو تعدى [ ص: 256 ] في الوديعة لم يبق أمينا بخلاف الرهن ، والثاني لا يبرئه كالرهن ورد بما مر ، ولو أبرأ الغاصب من ضمان المغصوب مع وجوده لم يبرأ إذ الأعيان لا يبرأ منها لأن الإبراء إسقاط ما في الذمة أو تمليكه ، وكذا إن أبرأه عن ضمان ما يثبت في الذمة بعد تلفه لأنه إبراء عما لم يثبت ، ولو أجره المغصوب أو قارضه فيه أو عقد عليه الشركة أو وكله في التصرف فيه ببيع أو هبة أو غيرهما أو إعارة أو زوجه إياه لم يبرأ لما علم مما مر في رهنه منه ، وظاهر أنه إن تصرف في مال القراض أو فيما وكل فيه برئ لأنه سلمه بإذن مالكه وزالت عنه يده ، وقد علم مما تقرر إلحاق كل يد ضامنة بالغاصب وأنه لا يختص هذا الحكم بالارتهان ولا بالغصب .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : فالقول للراهن ) أي منسوب إليه فيقبل منه ( قوله : وإن لزم ) أي الرهن ( قوله : فلأن لا يدفعه ) أي يدفع الضمان ( قوله : لما مر ) أي في قول لأنه وإن كان إلخ ( قوله : على إيقاع ) أي وضع ( قوله : ولو قال له ) أي للغاصب ( قوله : قال صاحب التهذيب إلخ ) معتمد ( قوله : إجباره ) أي الغاصب ( قوله : المرهون إليه ) [ ص: 256 ] أي الرهن ( قوله : ورد بما مر ) أي في قوله لا الإيداع إلخ ( قوله : لأن الإبراء إسقاط إلخ ) معتمد ( قوله : لما علم مما مر ) أي من قوله لأنه وإن كان عقد أمانة الغرض منه إلخ



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : وقصد الأب قبضا إذا كان مرتهنا إلخ ) قضيته أنه لا يشترط قصده الإقباض في الأولى ولا القبض في الثانية والظاهر أنه كذلك فليراجع . ( قوله : كالإذن فيه ) خبر قوله وقصده : أي : قصده للقبض والإقباض المذكورين قائم مقام الإذن المشترط في غيره على الأظهر المتقدم ، وعبارة الروض وقصده للقبض كالإذن . قال شارحه : واقتصاره على القبض أولى من ضم الأصل إليه الإقباض ; إذ لا يشترط في الإقباض إذن حتى يشترط قصده انتهى .

                                                                                                                            ( قوله : فإذا كان لا يدفع الضمان إلخ ) عبارة الدميري : لأن الدوام أقوى من الابتداء ودوام الرهن لا يمنع الضمان بالتعدي في المرهون ويبقى الرهن بحاله ، فلأن لا يرفع الرهن دوام الضمان أولى انتهت .

                                                                                                                            فقول الشارح : فإذا كان لا يدفع الضمان : يعني في دوامه الذي هو أقوى من الابتداء . ( قوله : وللغاصب إجبار الراهن على إيقاع يده إلخ ) قضيته أن المستعير ليس كذلك فليراجع [ ص: 256 ] قوله : لم يبق أمينا ) عبارة الجلال : ولو تعدى في الوديعة ارتفع كونها وديعة . ( قوله : لم يبرأ لما علم مما مر ) معنى عدم براءته فيما إذا أعاره إياه أنه لا يبرأ عن ضمان الغصب فيضمنه بأقصى القيم إن تلف ، ويضمن أجرته إلى غير ذلك من أحكام الغصب




                                                                                                                            الخدمات العلمية