ولما كان مخطرا من هذا الوجه اقتضى أدب الشرع وصلاح الخلق أن لا يتعرض لمجاري الفكر فيه لكنا نعدل إلى المقام الثاني وهو النظر في ذات الله تعالى وصفاته فإنها تدل على جلاله وكبريائه وتقدسه وتعاليه ، وتدل على كمال علمه وحكمته وعلى نفاذ مشيئته وقدرته . النظر في أفعاله ومجاري قدره وعجائب صنعه وبدائع أمره في خلقه ،
فينظر إلى صفاته من آثار صفاته ، فإنا لا نطيق النظر إلى صفاته كما أنا نطيق النظر إلى الأرض مهما استنارت بنور الشمس .
ونستدل ، بذلك على عظم نور الشمس بالإضافة إلى نور القمر وسائر الكواكب لأن الأرض من آثار نور الشمس ، والنظر في الآثار يدل على المؤثر دلالة ما ، وإن كان لا يقوم مقام النظر في نفس المؤثر .
وجميع موجودات الدنيا أثر من آثار قدرة الله تعالى ونور من أنوار ذاته بل لا ظلمة أشد من العدم ولا نور أظهر من الوجود .
ووجود الأشياء كلها نور من أنوار ذاته تعالى وتقدس ، إذ قوام وجود الأشياء بذاته القيوم بنفسه كما أن قوام نور الأجسام بنور الشمس المضيئة بنفسها ومهما انكشف بعض الشمس فقد جرت العادة بأن يوضع طشت ماء حتى ترى الشمس فيه ، ويمكن النظر إليها فيكون الماء واسطة يغض قليلا من نور الشمس حتى يطاق النظر إليها ، فكذلك الأفعال واسطة نشاهد فيها صفات الفاعل ولا نبهر بأنوار الذات بعد أن تباعدنا عنها بواسطة الأفعال .
فهذا سر قوله صلى الله عليه وسلم : تفكروا في خلق الله ولا تتفكروا في ذات الله تعالى .
بيان كيفية التفكر في خلق الله تعالى .