وقوله : كبر عليكم مقامي من باب الإسناد المجازي كقولهم : " ثقل علي ظله " .
وقرأ أبو رجاء وأبو مجلز " مقامي " بضم الميم ، و " المقام " بالفتح مكان القيام ، وبالضم مكان الإقامة أو الإقامة نفسها . وقال وأبو الجوزاء : " ولم يقرأ هنا بضم الميم " كأنه لم يطلع على قراءة هؤلاء الآباء . ابن عطية
قوله : فعلى الله جواب الشرط .
وقوله : فأجمعوا عطف على الجواب ، ولم يذكر غيره . واستشكل عليه أنه متوكل على الله دائما كبر عليهم مقامه أو لم يكبر . وقيل : جواب الشرط قوله أبو البقاء " فأجمعوا " وقوله فعلى الله توكلت جملة اعتراضية بين الشرط وجوابه ، وهو كقول الشاعر :
2606 - إما تريني قد نحلت ومن يكن غرضا لأطراف الأسنة ينحل فلرب أبلج مثل ثقلك بادن
ضخم على ظهر الجواد مهبل
وقرأ العامة : " فأجمعوا " أمرا من " أجمع " بهمزة القطع يقال : أجمع في المعاني ، وجمع في الأعيان ، فيقال : أجمعت أمري وجمعت الجيش ، هذا هو الأكثر . قال الحارث بن حلزة :
2607 - أجمعوا أمرهم بليل فلما أصبحوا أصبحت لهم ضوضاء
وقال آخر :
2608 - يا ليت شعري والمنى لا تنفع هل أغدون يوما وأمري مجمع
وقرأ العامة : " وشركاءكم " نصبا وفيه أوجه ، أحدها : أنه معطوف على " أمركم " بتقدير حذف مضاف ، أي : وأمر شركائكم كقوله : واسأل القرية ، ودل على ذلك ما قدمته من أن " أجمع " للمعاني . والثاني : أنه [ ص: 241 ] عطف عليه من غير تقدير حذف مضاف ، قيل : لأنه يقال أيضا : أجمعت شركائي . الثالث : أنه منصوب بإضمار فعل لائق ، أي : وأجمعوا شركاءكم بوصل الهمزة . وقيل : تقديره : وادعوا ، وكذلك هي في مصحف " وادعوا " فأضمر فعلا لائقا كقوله تعالى : أبي والذين تبوءوا الدار والإيمان ، أي : واعتقدوا الإيمان ، ومثله قول الآخر :
2609 - فعلفتها تبنا وماء باردا حتى شتت همالة عيناها
2610 - يا ليت زوجك قد غدا متقلدا سيفا ورمحا
2611 - إذا ما الغانيات برزن يوما وزججن الحواجب والعيونا
وقرأ الزهري والأعمش والأعرج والجحدري وأبو رجاء ويعقوب والأصمعي عن " فاجمعوا " بوصل الألف وفتح الميم من جمع يجمع ، و " شركاءكم " على هذه القراءة يتضح نصبه نسقا على ما قبله ، ويجوز فيه ما تقدم في القراءة الأولى من الأوجه . قال صاحب " اللوامح " : " أجمعت الأمر : أي : جعلته جميعا ، وجمعت الأموال جمعا ، فكان الإجماع في الأحداث والجمع في الأعيان ، وقد يستعمل كل واحد مكان الآخر ، وفي التنزيل : نافع فجمع كيده . قلت : وقد اختلف القراء في قوله تعالى : فأجمعوا كيدكم ، فقرأ الستة بقطع الهمزة ، جعلوه من أجمع وهو موافق لما قيل : " إن " أجمع " في المعاني . وقرأ وحده " فاجمعوا " بوصل الألف ، وقد اتفقوا على قوله أبو عمرو " فجمع كيده ثم أتى " فإنه من الثلاثي ، مع أنه متسلط على معنى لا عين . ومنهم من جعل للثلاثي معنى غير معنى الرباعي فقال في قراءة من جمع يجمع ضد فرق يفرق ، وجعل قراءة الباقين من " أجمع أمره " إذا أحكمه وعزم عليه ، ومنه قول الشاعر : أبي عمرو
[ ص: 243 ]
2612 - يا ليت شعري والمنى لا تنفع هل أغدون يوما وأمري مجمع
وقرأ الحسن والسلمي وعيسى بن عمر وابن أبي إسحاق وسلام " وشركاؤكم " رفعا . وفيه تخريجان ، أحدهما : أنه نسق على الضمير المرفوع بأجمعوا قبله ، وجاز ذلك إذ الفصل بالمفعول سوغ العطف ، والثاني : أنه مبتدأ محذوف الخبر ، تقديره : وشركاؤكم فليجمعوا أمرهم . ويعقوب
وشذت فرقة فقرأت : " وشركائكم " بالخفض ووجهت على حذف المضاف وإبقاء المضاف إليه مجرورا على حاله كقوله :
2613 - أكل امرئ تحسبين أمرأ ونار توقد بالليل نارا
قوله : غمة يقال : غم وغمة نحو كرب وكربة . قال أبو الهيثم : " هو من قولهم : " غم علينا الهلال فهو مغموم إذا التمس فلم ير . قال طرفة ابن العبد .
2614 - لعمرك ما أمري علي بغمة نهاري ولا ليلي علي بسرمد
[ ص: 244 ] قوله : ثم اقضوا مفعول " اقضوا " محذوف ، أي : اقضوا إلي ذلك الأمر الذي تريدون إيقاعه كقوله : وقضينا إليه ذلك الأمر فعداه لمفعول صريح . وقرأ السري " ثم أفضوا " بقطع الهمزة والفاء ، من أفضى يفضي إذا انتهى ، يقال : أفضيت إليك ، قال تعالى : وقد أفضى بعضكم إلى بعض فالمعنى : ثم افضوا إلى سركم ، أي : انتهوا به إلي . وقيل : معناه : أسرعوا به إلي . وقيل : هو من أفضى ، أي : خرج إلى الفضاء ، أي : فأصحروا به إلي ، وأبرزوه لي كقوله :
2615 - أبى الضيم والنعمان يحرق نابه عليه فأفضى والسيوف معاقله