الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ . (24) قوله تعالى : مثل الفريقين : مبتدأ ، و " كالأعمى " خبره ، ثم هذه الكاف يحتمل أن تكون هي نفس الخبر ، فتقدر بـ " مثل " ، تقديره : مثل الفريقين مثل الأعمى . ويجوز أن تكون " مثل " بمعنى " صفة " ، ومعنى الكاف معنى مثل ، فيقدر مضاف محذوف ، أي : كمثل الأعمى . وقوله : مثل الفريقين كالأعمى يجوز أن يكون من باب تشبيه شيئين بشيئين ، فقابل العمى بالبصر ، والصمم بالسمع وهو من الطباق ، وأن يكون من تشبيه شيء واحد بوصفيه بشيء واحد بوصفيه ، وحينئذ يكون قوله : " كالأعمى والأصم " وقوله " والبصير والسميع " من باب عطف الصفات كقوله :


                                                                                                                                                                                                                                      2650 - إلى الملك القرم وابن الهمام وليث الكتيبة في المزدحم

                                                                                                                                                                                                                                      وقد أحسن الزمخشري في التعبير عن ذلك فقال : " شبه فريق الكافرين بالأعمى والأصم ، وفريق المؤمنين بالبصير والسميع ، وهو من اللف والطباق ، وفيه معنيان : أن يشبه الفريقين تشبيهين اثنين ، كما شبه امرؤ القيس قلوب الطير بالحشف والعناب ، وأن يشبه بالذي جمع بين العمى والصمم ، والذي جمع بين البصر والسمع ، على أن تكون الواو في " والأصم " وفي [ ص: 307 ] " والسميع " لعطف الصفة على الصفة كقوله :


                                                                                                                                                                                                                                      2651 - ... ... ... ... ال     صابح فالغانم فالآئب

                                                                                                                                                                                                                                      قلت : يريد بقوله " اللف " أنه لف المؤمنين والكافرين اللذين هما مشبهان بقوله " الفريقين " ، ولو فسرهما لقال : مثل الفريق المؤمن كالبصير والسميع ، ومثل الكافر كالأعمى والأصم ، وهي عبارة مشهورة في علم البيان : لفظتان متقابلتان : اللف والنشر ، وأشار لقول امرئ القيس وهو :


                                                                                                                                                                                                                                      2652 - كأن قلوب الطير رطبا ويابسا     لدى وكرها العناب والحشف البالي

                                                                                                                                                                                                                                      أصل الكلام : كأن الرطب من قلوب الطير : العناب ، واليابس منها : الحشف ، فلف ونشر ، واللف والنشر في علم البيان تقسيم كبير ، ليس هذا موضعه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأشار بقوله " الصابح فالغانم " إلى قوله :


                                                                                                                                                                                                                                      2653 - يا ويح زيابة للحارث ال     صابح فالغانم فالآئب

                                                                                                                                                                                                                                      وقد تقدم ذلك أول البقرة وتحريره .

                                                                                                                                                                                                                                      فإن قلت : لم قدم تشبيه الكافر على المؤمن ؟ أجيب بأن المتقدم ذكر الكفار فلذلك قدم تمثيلهم . فإن قيل : ما الحكمة في العدول عن هذا التركيب لو قيل : كالأعمى والبصير والأصم والسميع لتتقابل كل لفظة مع ضدها ، ويظهر بذلك التضاد ؟ أجيب : بأنه تعالى لما ذكر انسداد العين أتبعه بانسداد الأذن ، ولما ذكر انفتاح العين أتبعه بانفتاح الأذن ، وهذا التشبيه أحد [ ص: 308 ] الأقسام وهو تشبيه أمر معقول بأمر محسوس : وذلك أنه شبه عمى البصيرة وصممها بعمى البصر وصمم السمع ، ذاك متردد في ظلم الضلالات ، كما أن هذا متحيز في الطرقات . وهذه فوائد علم البيان .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : مثلا تمييز ، وهو منقول من الفاعلية ، والأصل : هل يستوي مثلهما ، كقوله تعالى : واشتعل الرأس شيبا . وجوز ابن عطية - رحمه الله - أن يكون حالا ، وفيه بعد صناعة ومعنى ؛ لأنه على معنى " من " لا على معنى " في " .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية