الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (14) قوله: أنصار الله : قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو "أنصارا" منونا، "لله" جارا ومجرورا. والباقون "أنصار" غير منون بل مضافا للجلالة الكريمة، والرسم يحتمل القراءتين معا. واللام يحتمل أن تكون مزيدة في المفعول للتقوية لكون العامل فرعا، إذ الأصل: أنصارا الله، وأن تكون غير مزيدة، ويكون الجار والمجرور نعتا لـ "أنصارا" والأول أظهر. وأما قراءة الإضافة ففرع الأصل المذكور. ويؤيد قراءة الإضافة الإجماع عليها في قوله: نحن أنصار الله . ولم يتصور جريان الخلاف هنا لأنه مرسوم بالألف.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: كما قال عيسى فيه أوجه، أحدها: أن الكاف في موضع [ ص: 323 ] نصب على إضمار القول أي: قلنا لهم ذلك، كما قال عيسى. الثاني: أنها نعت لمصدر محذوف تقديره: كونوا كونا، قاله مكي وفيه نظر; إذ لا يؤمرون بأن يكونوا كونا. الثالث: أنه كلام محمول على معناه دون لفظه، وإليه نحا الزمخشري ، فإنه قال: فإن قلت: ما وجه صحة التشبيه، وظاهره تشبيه كونهم أنصارا بقول عيسى صلوات الله عليه من أنصاري؟ قلت: التشبيه محمول على المعنى، وعليه يصح، والمراد: كونوا أنصار الله كما كان الحواريون أنصار عيسى. حين قال لهم: من أنصاري إلى الله .

                                                                                                                                                                                                                                      وتقدم في آل عمران تعدي "أنصاري" بـ "إلى"، واختلاف الناس في ذلك. وقال الزمخشري هنا: فإن قلت: ما معنى قوله: من أنصاري إلى الله قلت: يجب أن يكون معناه مطابقا لجواب الحواريين: نحن أنصار الله. والذي يطابقه أن يكون المعنى: من جندي متوجها إلى نصرة الله؟ وإضافة "أنصاري" خلاف إضافة "أنصار الله"; فإن معنى "نحن أنصار الله": نحن الذين ينصرون الله، ومعنى "من أنصاري": من الأنصار الذين يختصون بي، ويكونون معي في نصرة الله. ولا يصح أن يكون معناه من ينصرني مع الله; لأنه لا يطابق الجواب. والدليل عليه قراءة من قرأ "أنصار الله". انتهى. قلت: يعني أن بعضهم يدعي أن "إلى" بمعنى [ ص: 324 ] مع أي: من أنصاري مع الله؟ وقوله: "قراءة من قرأ أنصار الله" أي: لو كانت بمعنى "مع" لما صح سقوطها في هذه القراءة. وهذا غير لازم; لأن كل قراءة لها معنى يخصها، إلا أن الأولى توافق القراءتين.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم من إيقاع الظاهر موقع المضمر فيهما، تنبيها على عداوة الكافر للمؤمن; إذ الأصل: فأيدناهم عليهم، أي: أيدنا المؤمنين على الكافرين من الطائفتين المذكورتين.

                                                                                                                                                                                                                                      [تمت بعونه تعالى سورة الصف]

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية