الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير

الدسوقي - محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي

صفحة جزء
( أو ) الصلح على ( الإنكار ) أي يجوز باعتبار ظاهر الحال وأما في باطن الأمر فإن كان الصادق المنكر فالمأخوذ منه حرام كما سيذكره [ ص: 312 ] وإلا فحلال ويشترط للصلح على السكوت أو الإنكار ويدخل فيه الافتداء من يمين ثلاثة شروط عند الإمام وهو المذهب أشار لاثنين منها بقوله ( إن جاز على دعوى كل ) من المدعي والمدعى عليه وللثالث بقوله ( و ) جاز ( على ظاهر الحكم ) الشرعي بأن لا تكون هناك تهمة فساد واعتبر ابن القاسم الشرطين الأولين فقط وأصبغ أمرا واحدا وهو أن لا تتفق دعواهما على فساد مثال المستوفي للثلاثة أن يدعي عليه بعشرة حالة فأنكر أو سكت ثم صالحه عنها بثمانية معجلة أو بعرض حال ومثال ما يجوز على دعواهما ويمتنع على ظاهر الحكم أن يدعي بمائة درهم حالة فيصالحه على أن يؤخره بها إلى شهر أو على خمسين مؤخرة لشهر فالصلح صحيح على دعوى كل ; لأن المدعي أخر صاحبه أو أسقط عنه البعض وأخره لشهر والمدعى عليه افتدى من اليمين بما التزم أداءه عند الأجل ولا يجوز على ظاهر الحكم ; لأنه سلف بمنفعة فالسلف التأخير والمنفعة سقوط اليمين المنقلبة على المدعي عند الإنكار بتقدير نكول المدعى عليه أو حلفه [ ص: 313 ] فيسقط جميع الحق المدعى به فهذا ممنوع عند الإمام جائز عند ابن القاسم وأصبغ ومثال ما يمتنع على دعواهما أن يدعي عليه بدراهم وطعام من بيع فيعترف بالطعام وينكر الدراهم فيصالحه على طعام مؤجل أكثر من طعامه أو يعترف بالدراهم ويصالحه بدنانير مؤجلة أو بدراهم أكثر من دراهمه فحكى ابن رشد الاتفاق على فساده ويفسخ لما فيه من السلف بزيادة والصرف المؤخر ومثال ما يمتنع على دعوى المدعي وحده أن يدعي عليه بعشرة دنانير فينكرها ثم يصالحه على مائة درهم إلى أجل فهذا يمتنع على دعوى المدعي وحده للصرف المؤخر ويجوز على إنكار المدعى عليه ; لأنه إنما صالحه على الافتداء من اليمين الواجبة عليه فهذا ممتنع عند مالك وابن القاسم وأجازه أصبغ إذ لم تتفق دعواهما على فساد ومثال ما يمتنع على دعوى المدعى عليه وحده أن يدعي بعشرة أرادب قمحا من قرض وقال الآخر إنما لك علي خمسة من سلم وأراد أن يصالحه على دراهم ونحوها معجلة فهذا جائز على دعوى المدعي ; لأن طعام القرض يجوز بيعه قبل قبضه ويمتنع على دعوى المدعى عليه لعدم جواز بيع طعام السلم قبل قبضه فهذا ممتنع عند مالك وابن القاسم

التالي السابق


( قوله وإلا فحلال ) أي وإلا يكن الصادق في الواقع المنكر بل المدعي فما أخذه من المنكر حلال .

( قوله : ويشترط للصلح على السكوت أو الإنكار إلخ ) هذا بناء على ما لابن محرز من أن الصلح على السكوت يشترط فيه ما يشترط في الصلح على الإنكار وقد علمت أنه مقابل للمشهور .

( قوله : ويدخل فيه الافتداء من يمين ) أي وحينئذ فالشرط راجع للثلاثة كما يدل له وقوعه في كلام المصنف عقبها وإعادة الجار في قوله وعلى الافتداء من يمين وكأن المصنف أفرد الافتداء من اليمين بالذكر مع أنه داخل في الإنكار كما قال نظرا إلى أن الصلح تارة يلاحظ في نظير أصل الدعوى وتارة يلاحظ لإسقاط اليمين المترتبة عليهما .

( قوله ثلاثة شروط ) وهي أن يكون الصلح جائزا على دعوى المدعي وعلى دعوى المدعى عليه وعلى ظاهر الحكم والحق أن هذه الشروط الثلاثة إنما هي معتبرة في الصلح على الإنكار وأما في الصلح على السكوت فالمشترط فيه إنما هو جوازه على دعوى المدعي كما تقدم ( قوله إن جاز ) أي الصلح وقوله على دعوى كل أي على مقتضى دعوى كل من المدعي والمدعى عليه إن قلت إن الفرض أن الصلح على الإنكار أو السكوت وفي السكوت لم يحصل من المدعى عليه جواب وفي الإنكار إذا أجاب بغير ما ادعى به عليه كان إقرارا لا دعوى وأجيب بأن المراد أنه لا بد من جوازه على دعوى المدعى عليه سواء قال المدعى عليه ليس عندي ما ادعى به علي وأجاب بغيره أو سكت ولم يجب لكن على تقدير لو أجاب لأجاب بغير ما ادعى به عليه وتسمية هذا دعوى مجاز إذ هو إقرار فتأمل .

( قوله : وعلى ظاهر الحكم الشرعي ) ليس المراد به خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين كما قال عبق إذ لا معنى لهذا لأنه لا اطلاع لنا عليه وعلى تسليمه فنقول إن فرضنا أنه الجواز صار الشرط جوازه على ظاهر الجواز ولا معنى له وإن فرضناه غيره فلا معنى له أيضا إذ لا يكون الجواز على ظاهر المنع مثلا بل المراد بظاهر الحكم ما ظهر من الأحكام الشرعية وهي النسبة التامة في قولنا : تهمة سلف جر نفعا توجب الحرمة : تهمة بيع الطعام قبل قبضه توجب الحرمة والمراد بكون الصلح جائزا على ما ظهر لنا من تلك الأحكام أن يكون ذلك الصلح ليس فيه شيء من تلك الأحكام التي ظهرت لنا المقتضية للمنع كذا قرر شيخنا العدوي .

( قوله : وأصبغ ) أي واعتبر أصبغ .

( قوله : ثم صالحه عنها بثمانية معجلة أو بعرض حال ) فالصلح جائز لأن الدراهم الحالة يجوز الصلح عنها بدراهم حالة أقل منها على ظاهر الحكم وكذلك يجوز بيع الدراهم الحالة بالعرض الحال على ظاهر الحكم لعدم وجود ما يقتضي المنع وكذلك على دعوى كل من المدعي والمدعى عليه أن لو أقر أن تلك الدراهم عليه إذ غاية ما فيه هبة البعض وأخذ الباقي أو أقر أنها ليست عليه لأن غاية ما فيه أن ما دفعه فداء عن اليمين .

( قوله : أن يدعي بمائة درهم حالة ) أي فينكرها المدعى عليه أو يسكت فيصالحه إلخ .

( قوله : فالسلف التأخير ) أي من المدعي وقوله سقوط اليمين أي عن المدعي وعلم من هذا المثال أنه لا يلزم من جوازه على دعواهما جوازه على ظاهر الحكم بل قد يجوز على دعواهما ويمتنع على ظاهر الحكم .

( قوله أو حلفه ) عطف على اليمين وقوله فيسقط مفرع على الحلف وهذا تنويع في المنفعة العائدة على المدعي وضمير حلفه للمدعى عليه يعني لو حلف المدعى عليه لسقط دين المدعى عنه فتأخير المدعي له [ ص: 313 ] مسقط لذلك فقد جر إليه نفعا .

( قوله : فيسقط ) منصوب بأن مضمرة بعد الفاء العاطفة على مصدر صريح وهو حلف على حد

ولبس عباءة وتقر عيني

.

( قوله : ما يمتنع على دعواهما ) أي وكذا على ظاهر الحكم فتكون هذه الصورة ممنوعة عند الإمام وعند ابن القاسم وعند أصبغ .

( قوله : فيعترف بالطعام إلخ ) لا يقال الصلح على الإقرار المختلط بالإنكار كالصلح على الإقرار المحض فلا وجه لإدراجه في صلح الإنكار واعتبار شروطه فيه لأنا نقول لما كان المقر به غير المدعى به وأمكن أن يجوز على دعوى أحدهما دون الآخر أدرجوه لذلك في صلح الإنكار وجعلوا فيه شروطه بخلاف الإقرار المحض فإن المعتبر فيه جوازه على دعواهما وإن كان يلزم من جوازه على دعواهما في الإقرار المحض جوازه على ظاهر الحكم لكنه حاصل غير مقصود فتأمل .

( قوله : أكثر من طعامه ) أي ففيه سلف بزيادة على دعوى كل من المدعي والمدعى عليه وعلى ظاهر الحكم ( قوله بدنانير مؤجلة ) أي ففيه صرف مؤخر على دعوى كل وعلى ظاهر الحكم .

( قوله : أو بدراهم أكثر ) أي ففيه سلف بزيادة على دعوى كل وعلى ظاهر الحكم .

( قوله : فحكى ابن رشد الاتفاق ) أي بين الأئمة الثلاثة مالك وابن القاسم وأصبغ .

( قوله ومثال ما يمتنع على دعوى المدعي وحده ) أي ويلزم امتناعه على ظاهر الحكم فالمحترز عنه بقوله وحده الامتناع على دعوى المدعى عليه ونظير هذا يقال في قوله الآتي .

ومثال ما يمتنع على دعوى المدعى عليه وحده أي لا دعوى المدعي وإن كان ممتنعا على ظاهر الحكم .

أيضا والحاصل أنه متى امتنع على دعواهما أو دعوى أحدهما كما ممتنعا على ظاهر الحكم ولا يلزم من جوازه على دعواهما جوازه على ظاهر الحكم في الإنكار فتأمل .

( قوله : فهذا ممتنع عند مالك وابن القاسم ) أي ويجوز عند أصبغ لعدم اتفاق دعواهما على فساد




الخدمات العلمية