الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        ومن المحجور عليه : الرقيق . والذي يقر به ، ضربان .

                                                                                                                                                                        أحدهما : يوجب العقوبة كالزنا ، وشرب الخمر ، والسرقة ، والقذف ، وما يوجب القصاص في النفس ، أو الطرف ، فيقبل إقراره به ، وتقام عليه عقوبته [ ص: 351 ] خلافا للمزني . وإذا أقر بسرقة توجب القطع ، قبل في القطع . وأما المال ، فإن كان تالفا ، فقولان :

                                                                                                                                                                        أحدهما : يقبل ويتعلق الضمان برقبته . وأظهرهما : لا يقبل ويتعلق الضمان بذمته ، إلا أن يصدقه السيد فيقبل . وإن كان باقيا ، نظر ، إن كان في يد السيد ، لم ينتزع منه إلا بتصديقه . وإن كان في يد العبد فطريقان :

                                                                                                                                                                        أحدهما : أن في انتزاعه القولين في التالف . فإن قلنا : لا ينتزع ، ثبت بدله في ذمته .

                                                                                                                                                                        والطريق الثاني : لا ينتزع قطعا ؛ لأن يده كيد سيده . وقيل : إن كان المال في يد العبد ، قبل إقراره ، وإلا فلا . وإذا اختصرت قلت : في قوله أربعة أقوال . أظهرها : لا يقبل .

                                                                                                                                                                        والثاني : يقبل .

                                                                                                                                                                        والثالث : يقبل إن كان المال باقيا .

                                                                                                                                                                        والرابع : عكسه . وإذا أقر بسرقة توجب القطع ، ثم رجع ، كان كإقراره بسرقة لا توجب القطع ، وسنذكر في الضرب الثاني إن شاء الله تعالى . ولو أقر بالقصاص على نفسه ، فعفا المستحق على مال ، أو عفا مطلقا ، وقلنا : إنه يوجب المال ، فوجهان .

                                                                                                                                                                        أصحهما عند البغوي : أنه يتعلق برقبته . وإن كذبه السيد ؛ لأنه إنما أقر بالعقوبة ، وإنما وجب المال بالعفو .

                                                                                                                                                                        والثاني : أن الحكم كذلك إن قلنا : موجب العمد القصاص ، فإن قلنا : موجبه أحد الأمرين ، ففي ثبوت المال قولان ، كالإقرار بالسرقة الموجبة للقطع .

                                                                                                                                                                        الضرب الثاني : ما لا يوجب عقوبة ، فإذا أقر بدين جناية ، كغصب ، أو سرقة لا توجب قطعا ، أو إتلاف ، وصدقه السيد ، تعلق برقبته ، فيباع فيه إلا أن يفديه السيد ، وإذا بيع فبقي شيء من الدين ، فهل يتبع به إذا عتق ؟ فيه قولان مذكوران في كتاب الجنايات .

                                                                                                                                                                        قلت : أظهرهما وهو الجديد : لا يتبع . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        [ ص: 352 ] وإن كذبه السيد ، لم يتعلق برقبته ، لكن يتعلق بذمته ، يتبع به إذا عتق ، ولا يخرج عن القولين فيما إذا بيع في الدين وبقي شيء ؛ لأنه إذا ثبت التعلق بالرقبة فكان الحق انحصر فيها . وقيل بطردهما ؛ لأن الزائد على القيمة لا يتعلق بالرقبة ، كما أن أصل الحق هنا غير متعلق بها . ولو أقر بدين معاملة ، فإن لم يكن مأذونا له في التجارة ، لم يقبل إقراره على السيد ، بل يتعلق المقر به بذمته ، يطالب به إذا عتق ، سواء صدقه السيد ، أم لا . وإن كان مأذونا فيها ، قبل وأدى من كسبه وما في يده ، إلا إذا كان مما لا يتعلق بالتجارة كالقرض . ولو أطلق المأذون الإقرار بالدين ، ولم يعين جهته ، لم ينزل على دين المعاملة على الأصح ، لاحتمال أنه بإتلاف ، ولا فرق في دين الإتلاف بين المأذون وغيره . ولو حجر عليه فأقر بعد الحجر بدين معاملة ، إضافة إلى حال الإذن ، لم تقبل إضافته على الأصح .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        من نصفه حر ، لو أقر بدين جناية ، لم يقبل فيما يتعلق بسيده ، إلا أن يصدقه ، ويقبل في نصفه . وعليه قضاؤه مما في يده . ولو أقر بدين معاملة ، فمتى صححنا تصرفه ، قبلنا إقراره عليه ، وقضيناه مما في يده . ومتى لم نصححه ، فإقراره كإقرار العبد .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية