الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير

الدسوقي - محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي

صفحة جزء
( وبطول زمان حيوان ) ، ولو لم يتغير سوقه ولا ذاته ( وفيها شهر ) يعد طولا ( و ) فيها أيضا ( شهران ) بل وثلاثة ليست بطول ، ولو قال وفيها الشهر طول والثلاثة ليست بطول لكان أصوب ( واختار ) اللخمي ( أنه خلاف ) معنوي ( وقال ) المازري على ما فهم المصنف ( بل ) هو خلاف لفظي ( في شهادة ) أي مشاهدة أي معاينة أي أن الإمام رضي الله عنه رأى مرة أن بعض الحيوانات يفيته الشهر بمظنة تغيره فيه لصغر ونحوه فحكم بأن الشهر فيه طول ورأى مرة أن بعض الحيوانات لا يفيته الشهران والثلاثة لعدم مظنة تغيره في ذلك فحكم فيه بعدم طول ما ذكر ، والحق أن المازري قائل بأن الخلاف حقيقي كاللخمي غير أنه اعترض على اللخمي بما لا وجه له فظن المصنف رحمه الله من أول عبارته أنه قائل بأن الخلاف لفظي ، فراجعه في التتائي أو الشبرخيتي تفهم المقصود .

التالي السابق


( قوله : وبطول زمان حيوان ) يعني أن مجرد طول إقامة الحيوان بيد المشتري من غير ضميمة نقل ولا تغير في ذات أو سوق مفيت له ; لأن الطول مظنة التغير في الذات ، وإن لم يظهر وإذا كان التغير مع المظنة مفيتا فالتغير مع التحقق أولى .

( قوله : وفيها ) أي في المدونة في كتاب البيوع الفاسدة وقوله : وفيها أيضا أي في كتاب السلم شهران أي ليس بطول هذا مراده وإلا لم يكن له فائدة مع ما قبله ولم يصح قوله : واختار أنه خلاف وكأنه قال وفي حد الطول قولان فينبغي للقارئ أن يسكت سكتة لطيفة على قوله شهر ثم يبتدئ بقوله وشهران وكان ينبغي للمصنف أن يقول وشهران أو ثلاثة أو يقتصر على الثلاثة ويستفاد الشهران بطريق الأولى إذ ما ذكره يفيد أن الثلاثة طول باتفاق المحلين وليس كذلك .

( قوله : إنه خلاف معنوي ) أي إن ما وقع بين المحلين خلاف حقيقي راجع للمعنى ; لأن المحل الذي حكم فيه بأن الشهر طول ظاهره مطلقا كان الحيوان كبيرا أو صغيرا والمحل الثاني الذي حكم فيه بأن الشهر والشهرين والثلاثة ليست طولا ظاهره مطلقا والمعتمد منهما الأول .

( قوله : بل هو خلاف لفظي في شهادة ) أي أن ما حكم به الإمام أولا من أن الشهر طول بالنظر لمشاهدة ومعاينة أي بالنظر لحيوان صغير حضر عنده وعاينه وشاهده كغنم فإن الشهر فيه مظنة التغير وحكمه ثانيا بأن الشهرين والثلاثة ليست طولا بالنظر لما حضر عنده وشاهده من حيوان كبير كبقر وإبل فإن الشهرين والثلاثة فيها ليست مظنة للتغير ومن المعلوم أن الحكمين المختلفين لاختلاف محلهما ليسا مختلفين حقيقة إنما الخلاف الحقيقي عند اتحاد المحل ، كذا قرر شيخنا وهو المناسب لكلام المصنف ; لأنه لما قابل الخلاف الحقيقي بالشهادة يعلم أنه أراد بها الخلاف اللفظي ويوجه بما ذكر .

( قوله : والحق أن المازري قائل إلخ ) نص كلام المازري بعد ما ذكر ما في الموضعين من المدونة اعتقد بعض أشياخي يعني اللخمي أنه اختلاف قول على الإطلاق وليس كذلك إنما هو اختلاف في شهادة بعادة ; لأنه أشار في المدونة إلى أن المقدار من الزمان الذي لا يمضي إلا وقد تغير الحيوان بتغيره في ذاته أو سوقه معتبر اتفاقا ، وإنما الخلاف في قدر الزمان الذي يستدل به على التخير ا هـ قال ابن عرفة في رده على اللخمي تعسف واضح لأن حاصل كلامه أن الخلاف بين المحلين إنما هو في قدر الزمان الذي هو مظنة لتغير الحيوان وهذا هو مقتضى كلام اللخمي لمن تأمله وأنصف ا هـ وحاصله أن المازري اعترض على اللخمي من جهة أن كلامه يقتضي أن [ ص: 73 ] الخلاف بين المحلين ، ولو وجد التغير بالفعل مع أنه لا خلاف عند وجود التغير بالفعل ، وإنما الخلاف في قدر الزمان الذي هو مظنة لتغيره فرد عليه ابن عرفة بأنه ليس في كلام اللخمي ما يفيد أن الخلاف ولو وجد التغير بالفعل قال بن : والصواب اتفاق كلام المازري واللخمي على أن الخلاف الواقع في المدونة خلاف في شهادة ; لأنهما يتفقان على أن ما هو مظنة لتغير الحيوان فوت قطعا وعلى أن الخلاف بين الموضعين في الشهر إلى الثلاثة هل هو مظنة للتغير فيكون فوتا أو لا فلا يكون فوتا وليس الخلاف الذي فيها لفظيا وهو الخلاف في حال ويتبين ذلك بالفرق بين الخلاف في حال والخلاف في شهادة فإن الأول يقال حيث يكون للشيء حالان فيقول القائل بجوازه باعتبار إحدى الحالتين وهي الحاضرة في ذهنه حين القول ويقول الآخر بمنعه باعتبار الحالة الأخرى لأنها هي التي حضرت في ذهنه حين القول ، ولو حضر في ذهن كل واحد من القائلين ما حضر في ذهن الآخر لوافقه فهذا ليس خلافا في الحقيقة ، وأما الخلاف في شهادة فيقال حيث يكون القول من كل منهما مرتبا على أحد الحالين وهو مع ذلك ينفي الآخر بأن يقول كل منهما مثلا المشاهدة تقضي بكذا وينفي غيره فهو خلاف حقيقي . مثلا الخلاف في ماء جعل في الفم هل يصح التطهير به أم لا ؟ فإن كان هذا الخلاف من أجل أن الماء قد يضاف بالريق فمن منع تكلم على حالة الإضافة ومن أجاز تكلم على حالة عدمها وكل يسلم وقوع الحالين فهو خلاف في حال ، وإن كان هذا الخلاف من أجل أن القائل بالمنع يرى أنه يضاف ولا بد ولا يمكن عادة عدم إضافته ، والقائل بالجواز يرى نقيض هذا فهو خلاف في شهادة والخلاف في مسألتنا من هذا الثاني ; لأن من قال : إن الثلاثة وما دونها فوت ، يرى أنها مظنة للتغير ولا بد . ومن قال : إنها ليست بفوت ، يرى أنها ليست مظنة للتغير ولا بد وهذا ما يفيده ابن عرفة كما يفيده ما تقدم ، وأما قول شارحنا أي أن الإمام رأى إلخ فتوفيق لم يقله المازري ولا هو معنى كلامه على أن ما بين به الخلاف معنى الخلاف في حال لا معنى الخلاف في شهادة ا هـ كلام بن ثم قال بعد ذلك واعترض الصقلي على اللخمي والمازري ومن تبعهما في المعارضة بين كلامي المدونة بأن قولها الثلاثة أشهر ليست فوتا إنما هو في الإقالة من السلم إذا كان طعاما ورأس المال حيوان ، فإن وقعت الإقالة على عين رأس ماله جاز ، وإن تغير بمفوت منع ; لأنه بيع الطعام قبل قبضه قال فيها والثلاثة أشهر لا تفيته حيث لم يتغير في ذاته ولا يلزم من ذلك أنها لا تفيت البيع الفاسد حتى يتعارض الموضعان ; لأن الإقالة معروف يخفف فيه ألا ترى أنهم عدوا حوالة الأسواق فيها غير مفيتة مع القطع هنا بأنها مفيتة وهذا اعتراض ظاهر ا هـ كلامه




الخدمات العلمية