الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير

الدسوقي - محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي

صفحة جزء
، ثم شبه في الضمان قوله ( كحر باعه ) الغاصب له مثلا ( وتعذر رجوعه ) فيلزمه ديته لأهله دية عمد وسواء تحقق موته [ ص: 455 ] أم لا قال الحطاب ويضرب ألف سوط ويحبس سنة فإن رجع المغصوب رجع بائعه بما غرمه ( و ) ضمن المتعدي ( منفعة غيرهما ) أي منفعة غير البضع ، والحر ( بالفوات ) ، وإن لم يستعمل ويستغل كالدار يغلقها ، والدابة يحبسها ، والعبد ونحوه لا يستعمله ، وهذا في التعدي على المنفعة فلا يخالف قوله فيما تقدم وغلة مستعمل ; لأنه في غصب الذات ( وهل يضمن شاكيه ) أي الغاصب ، وأحرى غيره ; لأن الفرض أنه ظلم في شكواه الغاصب ، والمدين ونحوهما ممن للشاكي عليه حق وجه كونه ظالما في شكواه مع أنه له حق على المشكو من غاصب ونحوه أنه مفروض فيمن له قدرة على الانتصاف من غريمه بدون شكواه ( لمغرم ) بكسر الراء المشددة أي شاكيه لظالم يتجاوز في ظلمه بأن يغرمه ما لا يجب عليه ( زائدا ) مفعول يضمن ( على قدره ) أجرة ( الرسول ) المعتاد على فرض أن الشاكي استأجر رسولا أرسله للغاصب ليحضره عند الظالم سواء وجد رسول بالفعل أم لا ( إن ظلم ) الشاكي في شكواه بأن كان له قدر على تخليص حقه بنفسه ، أو بحاكم لا يجوز فإن لم يظلم لم يغرم القدر الزائد على أجرة الرسول ، وإنما يغرم قدر أجرة الرسول فقط ; لأنها على الشاكي أصالة يرجع بها المشكو عليه سواء كان الشاكي ظالما أم لا فعلم أنه إن ظلم غرم الجميع وحينئذ فيتجه أن يقال ما الفرق بين هذا القول وبين ما بعده ، وهو قوله ( أو ) يضمن ( الجميع ) وجوابه أن الفرق يظهر باعتبار المفهوم ، وذلك أن مفهوم الأول أنه إن لم يظلم لا يضمن الزائد ، بل قدر أجرة الرسول فقط ومفهوم الثاني أنه إن لم يظلم لا يغرم شيئا ( أو لا ) يغرم الشاكي شيئا إن ظلم فأولى إن لم يظلم ، وإنما يلزم الظالم الإثم ، والأدب ( أقوال ) ثلاثة المشهور في المذهب الثالث ، والمفتى به بمصر الثاني ، وهو في شاك له حق مالي .

وأما إذا لم يكن له حق فإنه من أفراد قوله المتقدم ، أو دل لصا وتقدم أن الراجح تغريمه ; لأنه ظالم ولا حق له وبقي ما إذا كان له حق غير مالي بأن قذفه المشكو ، أو سبه ، أو ضربه كما يقع كثيرا في هذا الزمان الذي تعطلت فيه الأحكام الشرعية وكثر فيه تعدي الناس بعضهم على بعض وجور الأمراء ، والحكام فهل يضمن الشاكي قطعا ، أو تجري فيه الأقوال كما هو ظاهر كلامهم ( وملكه ) الغاصب ( إن اشتراه ) من ربه ، أو من وكيله ( ولو غاب ) المغصوب ببلد آخر إذ لا يشترط حضوره بالبلد ، وهذا صريح في ضعف القول بأنه يشترط في صحة بيع المغصوب لغاصبه رده لربه ، وهو أحد شقي التردد الذي قدمه بقوله ، وهل إن [ ص: 456 ] رد لربه مدة تردد ( أو غرم ) الغاصب ( قيمته ) لربه أي حكم الشرع عليه بغرمها لحصول مفوت مما مر فإنه يملكه ، وإن لم يغرمها بالفعل ومحل ملكه ( إن لم يموه ) الغاصب أي لم يكذب في دعواه التلف ، أو الضياع ، أو تغير ذاته فإن موه وتبين خلاف دعواه فإنه لا يملكه ويرجع عليه ربه بعين شيئه إن شاء ( و ) إن كذب في الصفة فقط بأن وصفه بصفة تقتضي نقص قيمته فظهر أنه أفضل مما قال ( رجع عليه ) المالك ( بفضلة أخفاها ) ولا ينتقض البيع فإذا لم يموه في الذات ولزمه القيمة ملكه ولو موه في الصفة ويرجع عليه بزائد ما أخفاه فقوله وملكه إن غرم القيمة إن لم يموه أي في الذات بأن لم يموه أصلا ، أو موه في الصفة فقط ومفهومه أنه إن موه في الذات لم يملكه ولربه أخذه كما تقدم .

التالي السابق


( قوله مثلا ) أي ، أو فعل به فعلا غير البيع تعذر بسببه رجوعه فلا مفهوم لباعه [ ص: 455 ] قوله أم لا ) أي بأن تحققت حياته ، أو شك فيهما ( قوله ; لأنه في غصب الذات إلخ ) فتحصل أن غاصب الذات يضمنها بمجرد الاستيلاء ولو تلفت بسماوي ولا يضمن منفعة الذات إلا إذا استعملها وغاصب المنفعة لا يضمن الذات إذا تلفت بسماوي ويضمن المنفعة التي قصد غصبها بمجرد فواتها على ربها ، وإن لم يستعمل إلا غاصب الحر ، والبضع فإنه إنما يضمن فيهما بالاستيفاء ( قوله ، وهل يضمن إلخ ) يعني أن الشخص إذا شكا من غصبه ، أو من له عليه دين لحاكم ظالم فظلمه وغرمه ما لا يجب عليه ففي ضمان الشاكي ما غرمه المشكو وعدم ضمانه أقوال ثلاثة : القول الأول يقول إذا كان الشاكي ظالما في شكواه بأن كان له قدرة على تخليص حقه بنفسه ، أو بحاكم لا يجوز فإنه يغرم جميع ما غرمه المشكو أجرة الرسول وما زاد عليها ، وإن كان الشاكي مظلوما بأن كان لا قدرة له على خلاص حقه بنفسه ولم يجد حاكما عادلا يخلصه فإنما يغرم للمشكو قدر أجرة الرسول ، والقول الثاني يقول إن كان ظالما غرم الجميع ، وإن كان الشاكي مظلوما فلا يغرم شيئا ، والقول الثالث يقول لا يلزم الشاكي شيء أصلا سواء كان ظالما ، أو مظلوما ، غاية الأمر أنه إن كان ظالما فإنه يؤدب ا هـ .

قال ح وانظر لو شكا رجلا لظالم جائر لا يتوقى قتل النفس فضرب المشكو حتى مات فهل يلزم الشاكي شيء أم لا ؟ قال بعضهم عليه ديته كمن فعل به ما يتعذر رجوعه وينبغي أن ذلك حيث تعذر القصاص من الظالم فتدبر ( قوله ، وأحرى غيره ) أي كالمدين ( قوله ; لأن الفرض إلخ ) علة لصحة رجوع الضمير للغاصب ( قوله أنه ) أي أن الكلام مفروض إلخ ( قوله فإن لم يظلم ) أي بأن كان مظلوما لعدم قدرته على التخليص بنفسه وعدم حاكم عادل ( قوله ، وإنما يغرم قدر أجرة الرسول ) أي أن لو كان هناك رسول أحضر المشكو للمشكو له ( قوله أصالة ) أي ; لأن أجرة الرسول على طالب الحق ( قوله وحينئذ ) أي وحين إذ كان القول الأول يقول إذا كان الشاكي ظالما فإنه يغرم القدر الزائد على أجرة الرسول ويغرم أجرة الرسول أيضا فيتجه إلخ ( قوله الثالث ) أي ; لأنه قول أكثر أصحاب الإمام كما عزاه لهم ابن يونس ( قوله ، والمفتى به بمصر ) أي ، وهو أرجح الأقوال كما قال شيخنا العدوي القول الثاني ، وهو غرم الجميع إن كان ظالما ، وإلا فلا يغرم شيئا ( قوله ، وهي ) أي الأقوال الثلاثة .

( قوله كما هو ظاهر كلامهم ) ابن عرفة لو شكا رجل رجلا لظالم يعلم أنه يتجاوز الحق في المشكو ويغرمه مالا ، والمشكو لا تباعة للشاكي عليه ففي ضمان الشاكي ما غرمه المشكو وثالثها لبعض أصحابنا لا ضمان عليه إن كان مظلوما أي بأن قذفه المشكو ، أو سبه ( قوله وملكه إن اشتراه ) نبه على هذا مع أن من المعلوم أن كل من اشترى شيئا ملكه ليرتب عليه قوله ولو غاب ورد بلو على أشهب القائل لا يجوز بيع المغصوب لغاصبه إذا كان غائبا ، وذلك ; لأن ذات المغصوب قد فاتت بالغيبة عليها وصار الواجب على الغاصب إنما هو القيمة فالذي يجوز للمغصوب منه أن يبيعه للغاصب إنما هو القيمة لا ذات المغصوب وحينئذ فلا بد من معرفته أي البائع لها ، وأن يبيعها بما تباع به ( قوله إذ لا يشترط حضوره بالبلد ) [ ص: 456 ] أي ; لأن الأصل سلامته ( قوله ، أو غرم قيمته ) أي ، أو فات عند الغاصب وغرم قيمته ( قوله أي حكم الشرع عليه ) أي القاضي بغرمها إذ لا بد في ملكه له بالقيمة إذا فات عنده من حكم القاضي بها كما في بن خلافا لما في عبق .

( قوله ومحل ملكه ) أي للفائت بغرم القيمة إن لم يموه فقوله إن لم يموه شرط في ملك الفائت بالقيمة فقط لا فيه وفي ملك الغائب بشرائه كما في عبق فإذا اشترى المغصوب وادعى أنه غائب فقد ملكه ولو موه في دعواه الغيبة خلافا لعبق ونص المدونة قال ابن القاسم لو قضينا على الغاصب بالقيمة ، ثم ظهرت الأمة بعد الحكم فإن علم أنه أخفاها فلربها أخذها ورد ما أخذه من القيمة انظر بن ( قوله ويرجع عليه ربه بعين شيئه ) أي ويرد له ما أخذه منه من القيمة ( قوله ، وإن كذب في الصفة ) أي كما لو غصب عبدا وتلف ، أو تغير عنده ، وأردنا تغريمه القيمة فادعى أنه كان أسود فقوم وغرم قيمته على أنه أسود ، ثم تبين أنه كان أبيض ( قوله ولا ينتقض البيع ) الأولى ولا ينتقض الملك إذ لا بيع هنا ( قوله ولزمه القيمة ) أي لتلفه ، أو ضياعه ( قوله ولو موه في الصفة ) أي هذا إذا لم يموه أصلا ، بل ولو موه في الصفة ( قوله ويرجع عليه ) أي عند التمويه في الصفة ( قوله ، أو موه في الصفة فقط ) أي فالمنطوق صورتان وقوله رجع عليه بفضلة أخفاها راجع لإحدى صورتي المنطوق قال ح وانظر لو وصفه الغاصب ، ثم ظهر أنه أنقص مما قال بعد أن غرم القيمة فهل له الرجوع أم لا ؟ .

واستظهر شيخنا العدوي أن له الرجوع ( قوله ومفهومه أنه إن موه في الذات ) أي فقط ، وأولى في الذات ، والصفة كأن يقول الغاصب العبد الذي غصبته منك الأسود قد أبق ، ثم يظهر بعد أن غرم قيمته أنه لم يأبق ، وأنه أبيض ( قوله لم يملكه ) أي بما غرمه من القيمة ( قوله ولربه أخذه ) أي ورد ما أخذه من القيمة .




الخدمات العلمية