الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
وإن ادعى رجل دعوى والمدعى عليه محبوس في حق رجل ، فأراد الطالب أن يخرجه من السجن حتى يخاصمه فقال الذي حبسه : خذ لي منه كفيلا بنفسه فيما لي عليه فإنه يخرجه له ويخاصمه وهو معه حتى يرده إلى محبسه ولا يأخذ منه كفيلا بنفسه ، لأنه في يده وهو محبوس ، معناه : إنما يخرجه مع أمينه ، وهو في السجن محبوس في يد أمينه فكذلك إذا أخرجه ولا غرض للطالب هنا في المطالبة بالكفيل سوى التعنت ، فلا يحبسه القاضي إلى ذلك . وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله - في الكفالة بالنفس : لا يجعل لها أجلا إنما ذلك على قدر خلوصه إلى القاضي [ ص: 78 ] حتى إذا كان يمكنه من التقدم إلى القاضي في أكثر من ثلاثة أيام جاز ذلك على أكثر من ثلاثة أيام وهذا عندهم جميعا ، لأن المعتبر توفير النظر على المدعي وإذا كانت الدعوى في شيء بعينه فخفت أن يغيبها المطلوب وكانت غير معينة وضعتها على يدي عدل ولم أجعل لذلك وقتا وجعلته بمنزلة الكفالة ، لأن في التعديل هنا معنى النظر للمدعي وليس فيه كثير ضرر على المدعي وقد بينا أنه يأخذ كفيلا بتلك العين ، ولكن المقصود ربما لا يتم بأخذ الكفيل بأن يغيبها الخصم ولم يعرف الشهود أوصافها فلا يتمكنون من أداء الشهادة فإن كان ذلك مما يعرفه الشهود أو مما لا يمكن تعيينه أصلا ; لم يصفه على يدي عدل لأن النظر يتم بأخذ الكفيل بمحضر من ذلك الشيء .

وأما العقار فليس فيه كفالة ولا يوضع على يدي عدل حتى يقيم البينة لأن تعيينه غير ممكن ولا حاجة إلى إحضارها لإقامة البينة وإنما إقامة البينة بذكر الحدود . فإن قامت بينة وكانت أرضا فيها نخيل تمر فلا بد من أن يوضع هذا على يدي عدل إذا خيف على المطلوب استهلاكه لأنه لما أقام البينة فقد ثبت حقه من حيث الظاهر .

( ألا ترى ) أنه لو قضى القاضي له قبل أن تظهر عدالة الشهود بعد قضائه فمن تمام النظر له أن يوضع على يدي عدل لكي لا يتمكن المطلوب من استهلاكه ويؤخذ الكفيل في دعوى الدين وفي العتق والطلاق وجميع أجناس حقوق العباد مما لا يندرئ بالشبهات .

التالي السابق


الخدمات العلمية