الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وإن أقر بفعل [ ص: 137 ] ثم حلف ما فعلت ، صدق بيمين ، [ ص: 138 ] بخلاف إقراره بعد اليمين فينجز ، ولا تمكنه زوجته ، إن سمعت إقراره وبانت ; ولا تتزين إلا كرها ، ولتفتد منه وفي جواز قتلها له عند محاورتها : قولان

التالي السابق


( وإن أقر ) الزوج ( بفعل ) بأن قال تزوجت أو تسريت أو شهدت عليه به بينة . [ ص: 137 ] ثم ) كذب نفسه في إقراره أو البينة التي شهدت عليه و ( حلف ) بطلاق زوجته ( ما فعلت ) ذلك الفعل ( صدق ) بضم فكسر مثقلا ( بيمين ) بالله تعالى إنه كذب في إقراره وأن البينة زورت عليه ولا شيء عليه وإن نكل نجز عليه إن رفع وإن استفتى صدق بلا يمين . ابن عرفة وفيها من أقر بفعل كذا ثم حلف بالطلاق ما فعله صدق بيمينه ولا يحنث ، ولو أقر بعد يمينه أنه فعله ثم قال كنت كاذبا فلا ينفعه ولزمه الطلاق بالقضاء .

قلت مثله في رسم الدور والمزارع من سماع يحيى من كتاب النكاح وفيه من شهد عليه قوم بحق أو فعل شيء ينكره فحلف بعد شهادتهم بالطلاق أنهم شهدوا عليه بزور حلف أنهم كاذبون ودين ، فإن أقر بعد ذلك بتصديقهم أو شهد آخرون بصدق شهادة الأولين حنث في يمينه . وكذا لو حلف بالطلاق إن كان لفلان عليه كذا أو كذا وإن كان كلم فلانا اليوم فشهد عليه عدول بالحق أو بالكلام فقد حنث

ابن رشد أصل هذه المسألة في الأيمان بالطلاق منها وتكررت في سماع ابن القاسم من كتاب الشهادات ولا خلاف في شيء منها ، والفرق بين أن يتقدم اليمين على ما يناقضه هو أن اليمين إذا تقدم فقد لزمه حكمه ووجب أن لا يصدق في إبطاله وإذا تقدم الفعل ببينة أو إقرار لم يثبت لليمين بتكذيب ذلك حكم إذ لم يقصد الحالف إلى إيجاب حكم الطلاق الذي حكم به على نفسه إنما قصد تحقيق نفي ذلك الفعل . قلت الأصل أن ثاني المتنافيين ناسخ أولهما فيما فيه النسخ ورافع له إلى غيره ، فإن تقدم الحلف كان ما بعده رافعا لمدلول ما حلف عليه فكان إقرارا بالحنث ، وإن تأخر كان رافعا ما قبله فلا حنث .

اللخمي في الموازية إن قيل له فلان وفلان يشهدان عليك بكذا فحلف بالطلاق لا شيء عنده من ذلك ثم شهدا عليه لم يحنث . وقال مالك رضي الله تعالى عنه من شهد عليه شاهدان بريح خمر فحلف بالطلاق ما شرب خمرا حد ودين في يمينه ، ولا تطلق عليه . قلت ظاهره دون يمين ولا ينقض فرع الموازية ما ذكرناه من الفرق ، لأن حلفه فيه في حكم المتأخر عن الشهادة لأنه أتى به ردا لها لما أخبر بها . [ ص: 138 ] بخلاف إقراره ) أي الزوج بفعل ما حلف بالطلاق على عدم فعله ثم أقر أنه فعله ( بعد اليمين ) بالطلاق أنه لا يفعله ثم رجع عن إقراره بفعله وأكذب نفسه فيه فلا ينفعه ( فينجز ) عليه الطلاق لإقراره بالحنث في اليمين بعد انعقادها عليه والتزامه حكمها فليس له إبطالها ولا الرجوع عنها وتقدم قولها ، ولو أقر بعد يمينه أنه فعله ثم قال كنت كاذبا فلا ينفعه ولزمه الطلاق بالقضاء ( و ) إن حلف بالطلاق لا يفعل كذا ثم أقر بفعله ثم رجع عن إقراره وأكذب نفسه فيه ف ( لا تمكنه زوجته ) من استمتاعه بها ( إن سمعت إقراره ) بحنثه في اليمين ولم تشهد عليه بينة به ( وبانت ) منه واوه للحال أي والحال أن الطلاق بائن ولو دون الثلاث ، فإن كان رجعيا فليس عليها منعه لاحتمال أنه ارتجعها ويندب لها منعه حتى يشهد عليه لقوله وأصابت من منعت له فلو سمعت بينة إقراره نجز عليه وظاهر قوله سمعت أن لها تمكينه إذا شهدت عليه بينة به ولم تسمعه هي لاحتمال كذبها عليه لنحو عداوة فسماعها أقوى من شهادتها ، ويحتمل أن يقال لا تمكنه أيضا بالأولى من سماعها إقراره لاحتمال كذبه فيه .

( ولا تتزين ) أي الزوجة التي سمعت إقرار زوجها بحنثه بطلاق بائن ثم رجع عنه وأكذب نفسه فيه ( إلا كرها ) أي مكرهة في تمكينها وتزينها ( ولتفتد منه ) وجوبا إذا سمعت إقراره ولا بينة لها ( وفي جواز قتلها ) أي الزوجة ( له ) أي زوجها الذي أبانها بلا بينة ( عند محاورتها ) على وطئها ولو غير محصن إذا علمت أو ظنت أنه لا يندفع إلا به لأنه كالصائل الذي لا يندفع إلا به ، وعدم جوازه ظاهره ولو كان لا يندفع إلا به ولو أمنت قتلها فيه ولكن لا تمكنه إلا إذا خافت قتلها ولا تقتل به إن قتلته إذا ثبتت محاورتها وإلا قتلت به ، ولو على القول بجوازه إذ هو حكم فيما بينها وبين الله تعالى لا ينافي القصاص لاحتمال كذبها ( قولان ) الأول لمحمد والثاني لسحنون وصوبه ابن محرز قال [ ص: 139 ] لا سبيل إلى قتله لأنه قبل وطئها لم يستوجب القتل بوجه وبعده صار حدا على الإمام إقامته أحمد بابا فيختص المعنى بمدافعته وإن أدت إلى قتله لا قصد قتله ابتداء وهو خلاف الفرض .

ابن عرفة فيها إن لم تشهد بينة على إقراره بعد اليمين وعلم أنه كذب فيه حل له المقام معها بينه وبين الله تعالى ولا يسع امرأته المقام معه إن سمعت إقراره ، هذا إلا أن لا تجد بينة ولا سلطان لها فهي كمن طلقت ثلاثا ولا بينة لها . قال فيها مالك رضي الله تعالى عنه لا تتزين له ولا يرى شعرها ولا وجهها إن قدرت ولا يأتيها إلا كارهة ولا تنفعها مدافعته ولا يمين إلا بشاهد . ابن عبد السلام عبارة إلا كارهة إذ لا تنفعها كراهة إتيانه لها إنما ينفعها كونها مكرهة . ابن محرز إنما منعه من رؤية وجهها لقصد اللذة كالأجنبي لا لغير اللذة إذ وجه المرأة عند مالك رضي الله تعالى عنه وغيره ليس عورة وقد قال في الظهار وقد يرى غيره وجهها محمد ولتفتد منه بما قدرت ولو بشعر رأسها ، وتقتله إن خفي لها كغاصب المال أراد العادي عليه والمحارب .

وقال سحنون لا يحل لها قتله ولا قتل نفسها أكثر ما عليها الامتناع وألا يأتيها إلا مكرهة . ابن محرز هذا الصواب . ابن بشير اختلف هل يباح لها قتله إن أمكنها وخفي لها فقيل لها ذلك ورآه من باب تغيير المنكر . وقيل لا ورآه من باب إقامة الحدود ، ويحتمل تخريجهما على الخلاف في تغيير المنكر هل يفتقر إلى إذن أم لا ، وقاس محمد قتله على المحارب وأنكره ابن محرز بأن من طلب المحارب أخذ ماله مخير في التسليم والمحاربة ، والمرأة لا يجوز لها التسليم ولا سبيل لها إلى القتل لأنه قبل وطئها لا يستحق القتل بوجه وبعده صار حدا والحد ليس لها إقامته والجواب أنه من تغيير المنكر بمدافعته ، فإن لم يندفع إلا بقتله قتلته .

قلت تقرير ابن محرز بأن المغصوب مخير بخلاف المرأة ينتج كون القياس أخرويا في القتل . والصواب إن أمنت من قتل نفسها إن قتلته أو حاولت قتله ولم تقدر على دفعه إلا بقتله وجب عليها قتله لا إباحته وإن لم تأمن قتل نفسها في مدافعته بالقتل أو بعده [ ص: 140 ] فهي في سعة ، وكذا من رأى فاسقا يحاول فعل ذلك بغيره وفي جهادها إن نزل قوم بآخرين يريدون أموالهم وأنفسهم وحريمهم ناشدوهم الله فإن أبوا فالسيف .




الخدمات العلمية