الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
أو كإن لم تمطر السماء غدا إلا أن يعم الزمن . أو يحلف لعادة فينتظر

التالي السابق


( أو ) علقه على مستقبل لا يدري أيوجد أم لا ( كإن لم تمطر السماء غدا ) فأنت طالق فينجز ولا ينتظر وجوده ، وإن أمطرت بعد كلامه غدا فلا ترد إليه ، وعلله في المدونة بأنه من الغيب فهو دائر بين الشك والهزل ، وكلاهما يوجب الحنث في كل حال ( إلا أن يعم الزمن ) المستقبل فلا ينجز عليه لأن إمطارها فيها محقق وعدمه محال عادة فهو تعليق على محال .

( أو ) إلا أن ( يحلف ) على الإمطار ( لعادة ) اعتادها ( فينتظر ) بضم المثناة تحت وفتح الطاء المعجمة أي يمهل ولا ينجز عليه الطلاق حتى يمضي الزمن الذي حلف على [ ص: 119 ] الإمطار فيه ، فإن أمطرت فيه بر وإلا حنث . ويمنع منها سواء كانت صيغته برا أو حنثا لأن في إرساله عليها إرسالا على مشكوك في عصمتها ، وظاهره انتظاره ولو طال الزمن ، واحترز بالعادة الشرعية عن غيرها ككهانة وتنجيم فلا ينتظر وينجز عليه .

عياض في التنبيهات لو حلف لعادة جرت له وعلامات عرفها واعتادها ليس من جهة التخرص وتأثير النجوم عند من زعمها لم يحنث حتى يكون ما حلف عليه لقوله صلى الله عليه وسلم { إذا أنشأت بحرية ثم تشاءمت فتلك عين غديقة } ، وبحرية صفة سحابة محذوفة ، أي منسوبة للبحر لإتيانها من جهته ، ومعنى تشاءمت مالت لجهة الشام ، وغديقة بضم الغين المعجمة وفتح الدال المهملة وتحتية ساكنة أي كثيرة الماء ، فهو تصغير تعظيم ، والغدق بفتح الغين والدال المطار الكبار ، وغدق اسم بئر معروف بالمدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام قاله في النهاية . والذي في رسم يوصي من سماع عيسى من كتاب الأيمان بالطلاق ومن قال لامرأته أنت طالق إن لم تمطر السماء غدا أو إلى رأس الشهر وما أشبه ذلك عجل عليه الطلاق ، ولا ينتظر به استخبار ذلك وإن وجد ذلك حقا قبل أن تطلق عليه لم تطلق عليه .

ابن رشد ينقسم ذلك إلى وجهين أحدهما أن يرمي بذلك مرمى الغيب ، ويحلف على ذلك لا بد أن يكون ، أو أنه لا يكون قطعا من جهات الكهانة أو التنجيم أو تقحما على الشك دون سبب من تجربة ، أو توسم شيء ظنه فهذا لا اختلاف أنه يعجل عليه الطلاق ساعة حلف ، ولا ينتظر به . فإن غفل عنه ولم تطلق عليه حتى جاء الأمر على ما حلف عليه فقال المغيرة وعيسى تطلق عليه ، وقال ابن القاسم هنا لا تطلق عليه .

والثاني أن لا يرمي بذلك شيء من الغيب وإنما حلف عليه لأنه غلب على ظنه عن تجربة أو شيء توسمه ، فهذا يعجل عليه الطلاق ، ولا يستأنى به هل يكون ذلك أم لا ، فإن لم تطلق عليه حتى جاء الأمر على ما حلف عليه فلا تطلق عليه ، هذا قول عيسى ودليل قول ابن القاسم في سماع أبي زيد ا هـ . وفي المقدمات من حلف على ما لا طريق له إلى معرفته عجل عليه الطلاق ولا يستأنى به . واختلف إن غفل عنه حتى جاء الأمر على ما [ ص: 120 ] حلف عليه على ثلاثة أقوال ، أحدها أنه تطلق عليه . والثاني لا تطلق عليه ، والثالث إن كان حلف على ظنه لأمر توسمه مما يجوز له في الشرع فلا تطلق عليه ، وإن حلف على ما ظهر لكهانة أو تنجيم أو الشك أو تعمد الكذب طلق عليه ا هـ أفاده " غ " .




الخدمات العلمية