الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
: كجرحه [ ص: 92 ] بثلاثين حقة ، وثلاثين جذعة وأربعين خلفة : بلا حد سن

التالي السابق


وشبه في التغليظ فقال ( كجرحه ) أي الأب ولده عمدا فتغلظ عليه ديته بحسبه كما غلظت دية النفس ، وهذا قول مالك في المدونة . وقال طفي كجرحه أي العمد الموجب [ ص: 92 ] للتربيع أو التثليث في النفس يوجبه في الجرح أيضا . ابن عرفة ابن رشد حكم تغليظ الجرح في الديتين المربعة والمثلثة حكم الدية كاملة . ا هـ . فليس الضمير في جرحه للأب لقصوره ، ولولا أنه ينسج على منوال ابن الحاجب القائل وتغلظ أيضا في الجراح على الأصح ، وأنه موضوع الخلاف لأمكن حمل قوله ، كجرحه على معنى كجرح ما ذكر من موجب التخميس والتربيع والتثليث ، إذ الجرح تابع للدية في جميع ذلك ، ففيها إن قطع رجل أصبع رجل خطأ كان في ماله ابنتا مخاض وابنتا لبون وحقتان وجذعتان ا هـ .

وفي كتاب ابن مزين قلت لعيسى من أصيبت أنملته قال يأتي بخمس من الإبل واحد من كل سن ، فيكون شريكا فيها للمجروح ثلثا كل بعير ، وللجارح ثلث كل بعير منها وأنملتان يأتي بعشر كذلك يكون للمجروح ثلثا كل بعير ، وإن قطعت أصبع عمدا وصالح على دية مبهمة يأتي بثمانية أبعرة من واجب أسنان العمد الأربعة من كل سن بعير أن تكون للمجني عليه ، ثم يأتي بأربعة أبعرة من كل سن واحد فيكون شريكا فيها وبالنصف . وإن كان الواجب بعيرا كما في مسائل الحكومة ففي المربعة يأتي بأربعة من كل سن واحدة يكون للمجني عليه الربع من كل ، وفي المثلثة يأتي بثلاثة من كل سن من أسنانها واحدة يكون له ثلاثة أعشار حقة وثلاثة أعشار جذعة وأربعة أعشار خلفة ، وقس على ذلك .

ويكون التثليث ( بثلاثين حقة وثلاثين جذعة وأربعين خلفة ) بفتح الخاء المعجمة وكسر اللام أي حوامل في أول الحمل أو وسطه أو آخره ( بلا حد ) أي تحديد ( بسن ) في الخلفات على المشهور . ابن عرفة فيها مع غيرها منع الأبوة والأمومة إيجاب ضرب الولد فمات منه القصاص من أبيه أو أمه ، وإذا قتل الأب ابنه بحديدة حذفه بها أو بغيرها مما يقاد من غير الوالد فيه درئ عنه القود ، والأم كالأب ، وأب الأب كالأب ، وكذا قطع شيء من أعضائه . وفي سماع ابن القاسم ليس التغليظ في الجراح إلا في الأب .

ابن رشد أراد والأم ، إذ لم يفرق أحد بينهما في هذا . وظاهر قوله لا تغلظ في جد [ ص: 93 ] ولا جدة ، بخلاف قولها تغلظ في الجد ، أراد والجدة من قبل الأم فلا تغلظ على قولها في الجد للأب ولا في الجدة أم أب الأم ولا أم أب الأب ، وهذا قول أشهب . وقال ابن الماجشون تغلظ في الأجداد والجدات كلهم لأب أو لأم ، وهو قول سحنون في نوازله . وعن ابن القاسم مثل قول ابن الماجشون وروي عنه أنه وقف في الجد للأم وكلما ثبت التغليظ انتفى القصاص ، وكلما انتفى ثبت القصاص في العمد الذي يشبه العمد ، وإن لم يعمد القتل لا خلاف أنه لا يقتص من واحد منهم فيما هو من شبه العمد ، كضربه بعصا فيموت به ، أو بسوط فيفقأ عينه وشبه ذلك .

وفيها أضجع ابنه وذبحه أو شق بطنه أو صنعت ذلك والدة بولدها ففيه القود ، وأكثر الأشياخ لم يذكروا في هذا القصاص خلافا . وقال الباجي لو أضجعه فذبحه أو شق بطنه ، وهذا الذي يسميه الفقهاء قتل غيلة ، فقال الإمام مالك رضي الله تعالى عنه يقتل به . وقال أشهب لا يقتل به بحال وتبعه ابن الحاجب ونقله ابن القصار كذا في عيون المسائل لعبد الوهاب . وقال ابن حارث اتفقوا في الرجل يضجع ابنه فيذبحه ويثبت عليه ذلك ببينة أو إقراره أنه يقتل به ، واختلفوا إذا قال الابن أضجعني أبي وذبحني ومات فقال ابن القاسم يقتل به بعد القسامة سمعه يحيى ، وقال أشهب لا يقتل به في مثل هذا . ثم قال ابن عرفة وفيها يجرح الأب ولده أو يقطع شيئا من أعضائه بحال ما صنع المدلجي ، فإن الدية تغلظ فيه .

الشيخ عن المجموعة تغلظ في الجرح عند مالك رضي الله تعالى عنه ، وإن كان ذكر عنه غير ذلك فالثابت من قوله وما عليه أصحابه التغليظ إلا أن يكون عمدا لا شك فيه . ابن القاسم وأشهب مثل أن يضجعه ويذبحه أو يدخل أصبعه في عينه تعمدا لفقئها . ابن شاس إذا ثبت القصاص فإنما هو إذا كان القائم بالدم غير ولد الأب مثل العصبة قاله في الموازية . ابن الحاجب شرط القصاص على الأجداد أن يكون القائم بالدم غير ولد الأب . قلت عبر عنه في آخر فصل القصاص بقوله يكره قصاص الابن من أبيه وهو نص دياتها [ ص: 94 ] إن كان ولي الدم ولد القاتل فقد كره الإمام مالك رضي الله تعالى عنه القصاص منه ، وقال يكره أن يحلفه في الحق ، فكيف يقتص منه . وفسر ابن عبد السلام الكراهة بالتحريم ، وفيه نظر لقول قذفها استثقل مالك رضي الله تعالى عنه أن يحد لولده . ابن القاسم إن قام بحقه حد له




الخدمات العلمية