الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( و ) تصح الإجارة ولو من زوج كما مر لحرة أو أمة وإن كانت كافرة إن أمنت فيما يظهر ( لحضانة ) وهي الكبرى الآتية في كلامه من الحضن وهو من الإبط إلى الكشح لأن الحاضنة تضمه إليه ( وإرضاع ) ولو للبا ( معا ) وحينئذ فالمعقود عليه كلاهما لأنهما مقصودان ( ولأحدهما فقط ) لأن الحضانة نوع خدمة ولآية الإرضاع المتقدمة أول الباب ، وتدخل الحضانة الصغرى فيه وهي وضعه في الحجر وإلقامه الثدي وعصره له لتوقفه عليها ، ومن ثم كانت هي المعقود عليها ، واللبن تابع إذ الإجارة موضوعة للمنافع ، وإنما الأعيان تتبع للضرورة ، وإنما صحت له مع نفيها توسعة فيه لمزيد الحاجة إليه ، ولا بد من تعيين مدة الإرضاع . ومحله أهو بيته لأنه أحفظ ، أو بيت المرضعة لأنه أسهل ، فإن امتنعت من ملازمة ما عين أو سافرت تخير ، ولا تستحق أجرة من وقت الفسخ ومن تعيين الرضيع برؤيته أو وصفه كما في الحاوي لاختلاف شربه باختلاف سنه ، وتكلف المرضعة تناول ما يكثر اللبن وترك ما يضره كوطء حليل يضر بخلاف وطء لا ضرر فيه ، ولو وجد بلبنها علة تخير به المستأجر . وشمل كلام المصنف ما لو كانت المرضعة صغيرة لم تبلغ تسع سنين خلافا لما في البيان ، ولو سقته لبن [ ص: 296 ] غيرها في إجارة ذمة استحقت الأجرة أو عين فلا ( والأصح أنه ) أي الشأن ( لا يستتبع أحدهما ) أي الإرضاع والحضانة الكبرى ( الآخر ) لأنهما منفعتان مقصودتان يجوز إفراد كل منهما بالعقد فأشبها سائر المنافع .

                                                                                                                            والثاني نعم للعادة بتلازمهما ( والحضانة ) الكبرى ( حفظ صبي ) أي جنسه الصادق بالأنثى ( وتعهده بغسل رأسه وبدنه وثيابه ودهنه ) بفتح الدال ( وكحله وربطه في المهد وتحريكه لينام ونحوها ) لاقتضاء اسم الحضانة عرفا لذلك ، أما الدهن بضم الدال فالأوجه أنه على الأب ولا تتبع فيه العادة لعدم انضباطها ( ولو ) ( استأجر لهما ) أي الحضانة الكبرى والإرضاع ( فانقطع اللبن ) ( فالمذهب انفساخ العقد في الإرضاع ) فيسقط قسطه من الأجرة ( دون الحضانة ) لما مر من أن كلا منهما مقصود معقود عليه ، والحضانة الصغرى أن تلقمه بعد وضعه في حجرها مثلا الثدي كما مر ، ولو استأجرها للإرضاع ونفي الحضانة الصغرى لم تصح ( والأصح أنه لا يجب حبر ) بكسر الحاء ( وخيط وكحل ) وصبغ وطلع ( على وراق ) وهو الناسخ ( وخياط وكحال ) وصباغ وملقح ، وفي معنى ذلك قلم النساخ وإبرة الخياط ودرور الكحال ومروده ومرهم الجرائحي وصابون وماء الغسال اقتصارا على مدلول اللفظ مع أن وضع الإجارة على عدم استحقاق عين بها وأمر اللبن على خلاف القياس للضرورة ( قلت : صحح الرافعي في الشرح الرجوع فيه ) أي المذكور ( إلى العادة ) لعدم ورود ما يضبطه لغة وشرعا ( فإن اضطربت ) العادة ( وجب البيان ) نفيا للغرر ( وإلا ) أي وإن لم يبين ( فتبطل ) الإجارة أي لم تصح ( والله أعلم ) لما فيها من الغرر المفضي إلى التنازع من غير غاية ، وحيث شرطت على الأجير فلا بد من التقدير في نحو المرهم وأخواته ، فإن شرطه مطلقا فسد العقد ، بخلاف ما لو اقتضى العرف كونه على المستأجر أو شرطه عليه فلا يجب ذلك . وقضية كلام الإمام أن محل التردد في ذلك عند صدور العقد على الذمة . فإن كان على العين لم يجب غير نفس العمل وهذا هو الأوجه ، وفي ذكر المصنف كلام الشرح إشعار بترجيح ما فيه وهو المعتمد ، وإذا أوجبنا الخيط والصبغ على المؤجر [ ص: 297 ] فالأوجه ملك المستأجر لهما فينصرف فيه كالثوب لا أن المؤجر أتلفه على ملك نفسه ، ويظهر لي إلحاق الحبر بالخيط والصبغ ولم أر فيه شيئا ، ثم رأيت صاحب العباب جزم به ويقرب من ذلك ماء الأرض المستأجرة للزرع ، والذي يظهر فيه كما أفاده السبكي أنه باق على ملك مالكها ينتفع به المستأجر لنفسه ، وفي اللبن والكحل كذلك ، وأما الخيط والصبغ فالضرورة تحوج إلى نقل الملك ، وألحقوا بما تقدم الحطب الذي يقده الخباز ، ولا شك أنه يتلف على ملكه .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : وإن كانت كافرة ) وليس هذا كالتقاط الكافرة للمسلم وتربيتها له حيث امتنع ، لأن في ذلك استيلاء تاما على الولد وإظهارا للولاية عليه المقتضي لحقارة الإسلام عند الكفار ، ولا كذلك هذا ( قوله : الإبط ) بالكسر ( قوله : الكشح ) اسم لما تحت الخاصرة ( قوله للبا ) بالقصر ( قوله : ومن ثم كانت ) أي الحضانة الصغرى ( قوله : وإنما صحت له ) أي الإرضاع ( قوله : مع نفيها ) أي عدم ذكرها لما سيأتي من أنه لو استأجرها للإرضاع ونفي الحضانة الصغرى لم يصح ، لكنه في التحفة لم يذكر قوله ولو استأجرها للإرضاع ونفي الحضانة إلخ ، وعبر هنا بمثل ما عبر به الشارح فكتب عليه سم رحمه الله ما نصه : قوله وإنما صحت مع نفيها إلخ ظاهره مع نفي الصغرى وكلام الروضة صريح فيه ، لكن وصف في شرح الروض الحضانة في قوله وإن نفى الحضانة جاز بقوله الكبرى ، وعبارة الزركشي : فإن استأجر للرضاع ونفي الحضانة فالأصح الصحة . ثم قال : وخص الإمام الخلاف بنفي الحضانة الصغرى . فأما نفي الحضانة الكبرى فلا خلاف في جوازه وأقراه ، لكن في الكفاية عن القاضي الحسين جريان الخلاف فيها أيضا ا هـ بحروفه .

                                                                                                                            ( قوله : من وقت الفسخ ) ظاهره وإن لم تعلم به ا هـ سم على حج ( قوله : كوطء حليل ) وهل تصير ناشزة بذلك فلا تستحق نفقة وإن أذن لها في ذلك قياسا على ما لو أذن لها في السفر لحاجتها وحدها أو لحاجة أجنبي لغرضها أم لا تصير ناشزة بذلك ؟ فيه نظر ، والأقرب الأول ، وغايته أن الإذن لها في ذلك أسقط عنها الإثم فقط ، وإذا حرم عليه الوطء هل تمنعه منه وإن خاف العنت لما فيه من الإضرار بالولد المتردي إلى قتله فيجوز له نكاح الأمة حينئذ أم لا ؟ فيه نظر أيضا ، والأقرب الأول فيفرق بين حرمة الوطء هنا مع خوف العنت وجوازه في الحيض لذلك بأن الحرمة في الحيض لحق الله تعالى وهنا لحق آدمي فلا يجوز تفويته على صاحبه لأن الضرر لا يزال بالضرر . ونقل عن بعض أهل العصر خلاف ما قلناه في المسألة الأولى فاحذره ولا تغتر به ( قوله : بخلاف وطء لا ضرر فيه ) والفرق بين هذا وما تقدم من أنه لا يمنع [ ص: 296 ] الزوج من الوطء خوف الحبل أن ذاك أمر متوقع غير مظنون بخلاف هذا ( قوله : أما الدهن ) وينبغي أن مثل الدهن في كونه على الأب أجرة القابلة لفعلها المتعلق بإصلاح الولد كقطع سرته دون ما يتعلق بإصلاح الأم مما جرت به العادة من نحو ملازمتها لها قبل الولادة وغسل بدنها وثيابها فإنه ليس على الأب بل عليها كصرفها ما تحتاج إليه للمرض .

                                                                                                                            ( قوله : ولو استأجرها للإرضاع ونفي الحضانة الصغرى لم تصح ) ظاهره وإن لم يحتج الولد لذلك لقدرته على التقام الثدي بنفسه وهو ظاهر لأن مثل هذا نادر ، على أنه قد يعرض للولد ما يمنعه من ذلك كمرض ( قوله فتبطل الإجارة ) أي لم تصح : أي وعلى عدم الصحة فيجب للعامل أجرة مثل عمله ، وإذا أحضر من عنده المرهم والكحل ونحوهما هل يرجع ببدلها على المستأجر لأنه لم يقصد التبرع بها أم لا ؟ فيه نظر ، والظاهر الأول فيرجع بأجرة مثل العمل وبقيمة ما استعمله مما جرت العادة باستعماله ( قوله : على المؤجر ) أي حيث جرت به العادة أو شرط عليه [ ص: 297 ] قوله : فيتصرف فيه ) أي المذكور ( قوله : والكحل كذلك ) أي إنه باق على ملك المؤجر وينتفع به المستأجر



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : وإنما صحت له مع نفيها ) يعني مع عدم ذكرها كما أوله بذلك الشيخ في الحاشية حتى لا ينافي ما سيأتي قريبا ( قوله : ولا تستحق أجرة من وقت الفسخ ) أي وإن أرضعت كما هو ظاهر . ( قوله : باختلاف سنه ) قد يؤخذ منه أن المراد بوصفه ذكر سنه فليراجع . ( قوله : ما يكثر اللبن ) ينبغي أن المراد كثرة إلى حد الكفاية لا غير فليراجع ( قوله : كوطء حليل يضر ) وتقدم أنه ليس [ ص: 296 ] لمستأجرها للإرضاع منع زوجها من الوطء خوف الحبل وانقطاع اللبن ، فلعلهم يرون الفرق بين تغير اللبن واختلافه على الطفل لأن هناك مندوحة وهي الفسخ ، ويحتمل أن ما هناك في منع المستأجر للزوج وما هنا في امتناعه على المرأة ولا تلازم بينهما ، ويحتمل أن ما هناك في مجرد الخوف وما هنا في غلبة الظن ، ثم رأيت شيخنا جزم بالأخير فليراجع . ( قوله : والحضانة الصغرى أن تلقمه إلخ ) أي وتعصر له الثدي كما مر ( قوله : وذرور الكحال ) قد يقال لا حاجة إليه مع قول المصنف وكحل ; لأنه هو ( قوله : وأخواته ) أي مما يستهلك كالكحل بخلاف نحو الإبرة والقلم كذا ظهر فليراجع ( قوله : على المؤجر ) بفتح الجيم [ ص: 297 ] قوله : لأن المؤجر أتلفه ) حسا أو حكما ( قوله : أنه باق على ملك مالكها ) تقدم هذا آنفا ولعل الصورة أنه حصل به السقيا بالفعل حتى يكون نظير ما نحن فيه . ( قوله : ينتفع به المستأجر لنفسه ) أي في الأرض كما هو ظاهر فليراجع ( قوله : وفي اللبن ) صريح في أن المرأة تملك لبن نفسها وانظر في أي وقت يحكم بملكها له هل وهو في الضرع أو بعد الانفصال ؟ يراجع .




                                                                                                                            الخدمات العلمية