الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ولو ) ( قارض العامل ) شخصا ( آخر بإذن المالك ليشاركه ) ذلك الآخر ( في العمل والربح ) ( لم يجز في الأصح ) لأن القراض على خلاف القياس ، وموضوعه أن يكون أحد العاقدين مالكا لا عمل له والآخر عاملا ولو متعددا لا ملك له فلا يعدل إلى أن يعقد عاملان ، ومحل المنع بالنسبة للثاني . أما الأول فالقراض باق في حقه ، فإن تصرف الثاني فله أجرة المثل والربح كله للمالك ، ولا شيء للعامل الأول حيث لم يعمل شيئا . والثاني يجوز ، كما يجوز للمالك أن يقارض شخصين في الابتداء ، ورد بما مر . وخرج بيشاركه ما إذا أذن له في ذلك لينسلخ من القراض ويكون وكيلا فيه فيصح ، ومحله كما قاله ابن الرفعة إذا كان المال مما يجوز عليه القراض لأنه ابتداء قراض ، فلو وقع بعد تصرفه وصيرورة المال عرضا لم يجز قال الماوردي ولا يجوز عند عدم التعيين أن يقارض إلا أمينا ، والأشبه في المطلب انعزاله بمجرد الإذن له في ذلك إن ابتدأه المالك به لا إن أجاب به سؤاله فيه . قال الأذرعي : وهذا فيما إذا أمره أمرا جازما ، لا كما صوره الدارمي إن رأيت أن تقارض غيرك فافعل ( وبغير إذنه فاسد ) مطلقا سواء أقصد المشاركة في عمل وربح أم ربح فقط أم قصد الانسلاخ لانتفاء إذن المالك فيه وائتمانه على المال غيره ، كما لو أراد الوصي أن ينزل وصيا منزلته في حياته [ ص: 230 ] يقيمه في كل ما هو منوط به فإنه لا يجوز كما قاله الإمام . قال السبكي : ولو أراد ناظر وقف شرط له الناظر إقامة غيره مقامه وإخراج نفسه من ذلك كما مر في الوصي . قال : ولقد وقعت لي هذه المسألة في الفتاوى ولم أتردد في أن ذلك ممنوع ( فإن تصرف ) العامل ( الثاني ) بغير إذن المالك ( فتصرف غاصب ) فيضمن ما تصرف فيه لأن الإذن صدر ممن ليس بمالك ولا وكيل ( فإن ) ( اشترى ) للأول ( في الذمة ) ونقد الثمن من مال القراض وربح ( وقلنا بالجديد ) المقرر في المذهب المعلوم لمن له أدنى إلمام به وهو أن الربح للغاصب إذا اشترى في الذمة ونقد من المغصوب لصحة شرائه وإنما الفاسد تسليمه فيضمن ما سلمه ، وبما تقرر اندفع ما قيل لم يتقدم لهذا الجديد ذكر فلا تحسن الإحالة عليه ( فالربح ) هنا كله ( للعامل الأول في الأصح ) لأن الثاني تصرف بإذنه فأشبه الوكيل ( وعليه للثاني أجرته ) هو من زيادته من غير تمييز لأنه لم يعمل مجانا ( وقيل هو للثاني ) جميعه لأنه لم يتصرف بإذن المالك فأشبه الغاصب ، واختاره السبكي . أما لو اشترى في الذمة لنفسه فيقع لنفسه ( وإن ) ( اشترى بغير مال القراض ) ( فباطل ) شراؤه لأنه شراء فضولي .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : فالقراض باق في حقه ) أي ولا يكون إذن المالك له عزلا ( قوله : فله أجرة المثل ) أي على المالك ( قوله : حيث لم يعمل شيئا ) أي أما لو عمل فهل يكون الربح كله للمالك أو لهما بحسب ما شرطاه أو للعامل من الربح بقدر عمله ؟ فيه نظر ، والأقرب الثاني ( قوله : لينسلخ ) أي ليخرج منه ( قوله : ويكون وكيلا ) فيه أي في إقراضه للثاني ( قوله : والأشبه إلخ ) معتمد ( قوله : بمجرد الإذن له في ذلك ) ولا يخالف هذا ما مر في قوله أما الأول فلأن ما تقدم لما كان المأذون فيه غير صحيح جعل كالعدم ( قوله : إلا إن أجاب ) أي المالك ، فإن أجاب سؤاله لم ينعزل [ ص: 230 ] إلا بمقارضة غيره .

                                                                                                                            وقوله سؤاله : أي العامل . وقوله وهذا : أي انعزاله بمجرد الإذن ( قوله : ولو أراد ناظر وقف شرط له ) ومنه الأرشد في الوقف الأهلي المشروط فيه النظر لأرشد كل طبقة عليها ، فلا يجوز له إخراج نفسه وإقامة غيره مقامه . ولو فعل ذلك لا ينفذ وحقه باق ( قوله : وإخراج نفسه ) أي أما لو أقامه مقامه في أمور خاصة كالتصرف في عمارة أو نحوها مع بقاء المقيم على استحقاقه لم يمتنع ، لكن مر في الوكالة أن الوصي والقيم لا يوكل كل منهما إلا فيما يعجز عنه أو لم تلق به مباشرته ، وعليه فلا يجوز للوصي إقامة غيره في الأمور الخاصة إلا عند العجز وعدم اللياقة ، ويأتي مثله في الناظر ، ثم قضية ما ذكر أن الناظر لا يجوز له عزل نفسه وفي باب الوقف ما يخالفه .

                                                                                                                            والجواب أن الكلام هنا فيما لو أراد عزل نفسه وإقامة غيره مقامه وما هناك في مجرد العزل فلا تخالف ، وخرج بمن شرط له النظر غيره فله إخراج نفسه من النظر متى شاء ، ويصير الحق في ذلك للقاضي يقرر فيه من شاء كبقية الوظائف ، وإذا أسقط حقه لغيره جاز له الأخذ في مقابلة الإسقاط كما ذكره في القسم والنشوز والجعالة ( قوله : كان كما مر ) أي فإنه لا يجوز ( قوله : ولقد وقعت لي ) أي عندي ( قوله : وبما تقرر ) هو قول المقرر في المذهب ( قوله : اندفع ما قيل ) فيه نظر ظاهر ا هـ سم على حج .

                                                                                                                            ولعل وجهه منع أن ذلك معلوم لمن ذكر بل لا يهتدي إليه إلا من له كثرة إحاطة فلا تنبغي الإحالة عليه ( قوله : من غير تمييز ) أي فهو مخالف لاصطلاحه من أن ما زاده يميزه بقوله في أوله قلت وفي آخره والله أعلم .

                                                                                                                            والجواب أنه علم من تتبع كلامه أن هذا في غير الكلمة أو الكلمتين ( قوله : أما لو اشترى في الذمة لنفسه ) أي أو أطلق . بقي ما لو نوى نفسه والعامل الأول هل يقع لهما أو للعامل الثاني ؟ فيه نظر . ونقل عن شيخنا الزيادي بالدرس أنه يقع للعامل الثاني قياسا على ما في الوكالة من أن الوكيل لو اشترى في ذمته ونوى نفسه وموكله وقع للوكيل .

                                                                                                                            أقول : هذا قريب فيما لو أذن له في شراء شيء بعينه ، فإنه حيث نوى نفسه ، والمالك لم يأذن بما أذن له في شرائه ، أما لو أذن له في التجارة من غير تعرض لشيء بخصوصه فينبغي الصحة ويكون ما اشتراه مشتركا بينهما ( قوله فيقع لنفسه ) أي لا القراض فيكون الربح كله له والمال مضمون عليه ضمان الغصوب .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : حيث لم يعمل شيئا ) قيد في قوله والربح كله للمالك وفي قوله ولا شيء للعامل ، أما لو عمل فظاهر أنه يستحق المشروط إذ الصورة أن القراض باق في حقه ، واستقرب الشيخ هذا في حاشيته من ثلاث احتمالات له ( قوله : لا إن أجاب به سؤاله ) أي : فلا ينعزل بمجرد الإذن ، وفي بعض الهوامش أن ينعزل بالعقد [ ص: 230 ] انتهى ولعل المراد انعزاله بالشروع في العقد وإلا لزم عليه المحظور المتقدم




                                                                                                                            الخدمات العلمية