الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              التنبيه الثامن والعشرون :

                                                                                                                                                                                                                              لا يتوهم بما تسمعه في قصة المعراج من الصعود والهبوط أن بين العبد وربه مسافة ، فإن ذلك كفر ، نعوذ بالله من ذلك ، وإنما هذا الصعود والهبوط بالنسبة إلى العبد لا إلى الرب ، والنبي صلى الله عليه وسلم مع انتهائه ليلتئذ إلى أن كان قاب قوسين أو أدنى ، لم يجاوز مقام العبودية ، وكان هو ونبي الله يونس بن متى صلى الله عليه وسلم إذا التقمه الحوت وذهب به إلى البحار يشقها حتى انتهى به إلى قرار البحر ، في مباينة الله تعالى خلقه وعدم الجهة والتحيز والحد والإحاطة سواء . وقد ذهب به مسيرة ستة آلاف سنة ذكره الإمام البغوي وغيره .

                                                                                                                                                                                                                              وإذا علمت ذلك فالمراد بترقيه صلى الله عليه وسلم وقطع هذه المسافات إظهار مكانته عند أهل [ ص: 117 ]

                                                                                                                                                                                                                              السماوات وأنه أفضل المخلوقات . ويقوي هذا المراد بكونه أركبه البراق ونصب له المعراج وجعله إماما للنبيين والملائكة ، مع أنه تعالى قادر على أن يرفعه بدون البراق والمعراج .

                                                                                                                                                                                                                              ويقال لأصحاب الجهة : إنما منعكم من اعتقاد الحق استبعادكم موجودا إلا في جهة ، فأحلتم ذلك . فأخبرونا عن العرش والفوق هل ذلك قديم؟ أو محدث؟ فإن قالوا قديما جاهروا بقدم العالم وأدى ذلك إلى محالين : أحدهما أن يكون مع الباري تعالى في الأزل غيره ، والقديمان ليس أحدهما بأن يكون مكانا للثاني بأولى من الآخر . ثانيهما أن الجهة والمكان إما أن يكونا جسمين ، وهذا يؤدي إلى جواز وجود الأجساد كلها ، وهو قول من قال بقدم العالم ، نعوذ بالله من ذلك . وإن قالوا : محدث ، قل فقد صدقتم بأن الرب تعالى كان موجودا أولا ولا جهة ، والمستحيل [لا] ينقلب جائزا أو واجبا لأن الحادث لا يحتاج إليه القديم ، فإنه قبل كونه كان مستغنيا عنه ، وهو على استغنائه عنه لم يزل وكذلك لا يزال ، ومحال أن يكون خالق الكل مفتقرا إلى بعض مخلوقاته . وما ورد من الاستواء والنزول وغير ذلك من الصفات التي يشكل إجراؤها على ظاهرها ، نؤمن به ونكل علم معناه إلى الله تعالى ، ولا نشبهه تعالى بخلقه ولا ننفي الصفات التي أثبتها لنفسه وأثبتها له رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية