الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 311 ] مسألة : قال الشافعي : " ولو أن رجلا كفر عن رجل بغير أمره فأطعم أو أعتق لم يجزه ، وكان هو المعتق لعبد فولاؤه له " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : اعلم أنه لا يخلو حال من كفر عن غيره بغير إذنه من أن يكون مكفرا عن حي أو ميت ، فإن كفر عن حي لم يجز الكفارة عن الحي : لأن النية فيها مستحقة ، وعدم الإذن مانع من صحة النية ، فكان ما أخرجه النائب واقعا عن نفسه ، فإن كان إطعاما كان صدقة ، وإن كان عتقا كان تطوعا منه وله ولاؤه ، وإن نواه عن غيره كمن حج عن حي بغير أمره ، كان الحج واقعا عن الحاج دون المحجوج عنه .

                                                                                                                                            وقد اختلف الفقهاء في ولاء من أعتق عبده عن غيره ، فجعله أبو حنيفة للمعتق بكل حال ، وجعل مالك للمعتق عنه بكل حال ، وجعله الشافعي للمعتق إن أعتق بغير أمره ، وللمعتق عنه إن أعتق بأمره ، وإن كفر عن ميت ، فلا يخلو أن يكون بوصية أو بغير وصية ، فإن كان بوصية كانت الوصية أمرا ، فيصير كالمكفر بأمر ، فيكون على ما مضى ، وإن كفر عنه بغير وصية منه ، فلا يخلو المكفر عنه من أن يموت موسرا أو معسرا ، فإن مات موسرا ، فوجوب الكفارة باق في تركته ، فإن كفر عنه منها غير وارث ولا ذي ولاية كان ضامنا متعديا ، ولم يسقط به الكفارة ، وإن كفر عنه منها وارث ، فإن كان التكفير طعاما أجزأ ، وصار كقضاء الديون الواجبة عنه ، وإن كان التكفير عتقا فضربان :

                                                                                                                                            أحدهما : عتق لا تخيير فيه كالعتق في كفارة الظهار والقتل ، فيجزئ ، وإن كان بغير أمر ولا وصية ؛ لأنه عتق مستحق ، فإذا فات من ضمنه بالموت وجب على من قام مقامه في ماله كالحج لا يجوز أن يحج عنه في حياته إلا بإذنه ، ويجب على وارثه الحج عنه فيما وجب بعد موته .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن يكون عتقا فيه تخيير ، كالعتق في كفارة اليمين ، ففيه وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : لا يصح ؛ لأن التخيير فيه يمنع من تعيين وجوبه .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : يصح ؛ لأنه إذا ناب عن واجب صار واجبا وهذان الوجهان بناء على اختلاف أصحابنا في ما وجب في كفارة اليمين وسائر كفارات التخيير هل وجب بالنص أحدها ، أو وجب به جميعها ، وله إسقاط الوجوب بأحدهما ، فأحد وجهي أصحابنا أن الواجب بالنص أحدها على وجه التخيير ، فعلى هذا لا يصح العتق .

                                                                                                                                            [ ص: 312 ] والثاني : أن جميعها واجب بالنص ، وله إسقاط جميعها بفعل أحدها ، فعلى هذا يصح العتق .

                                                                                                                                            وإن مات المكفر عنه معسرا ، فقد اختلف أصحابنا هل يكون التكفير بعد موته معتبرا بالواجب أو بالتطوع ؟ على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : يكون معتبرا بالواجب ، فيكون على ما مضى .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : يكون معتبرا بالتطوع ، فيكون على ما يأتي .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية