الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ . (18) قوله تعالى : ما لا يضرهم : " ما " موصولة ، أو نكرة موصوفة وهي واقعة على الأصنام ، ولذلك راعى لفظها ، فأفرد في قوله : ما لا يضرهم ولا ينفعهم ومعناها فجمع في قوله " هؤلاء شفعاؤنا " .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : أتنبئون قرأ بعضهم : " أتنبئون " مخففا من أنبأ ، يقال : أنبأ ونبأ كأخبر وخبر . وقوله : بما لا يعلم " ما " موصولة بمعنى الذي أو نكرة موصوفة كالتي تقدمت . وعلى كلا التقديرين فالعائد محذوف ، أي : يعلمه . والفاعل هو ضمير الباري تعالى ، والمعنى : أتنبئون الله بالذي لا يعلمه الله ، وإذا لم يعلم الله شيئا استحال وجود ذلك الشيء ، لأنه تعالى لا يعزب عن علمه شيء ، وذلك الشيء هو الشفاعة ، فـ " ما " عبارة عن الشفاعة .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 166 ] والمعنى : أن الشفاعة لو كانت لعلمها الباري تعالى . وقوله : في السماوات ولا في الأرض تأكيد لنفيه ، لأن كل موجود لا يخرج عنهما . ويجوز أن تكون " ما " عبارة عن الأصنام . وفاعل " يعلم " ضمير عائد عليها . والمعنى : أتعلمون الله بالأصنام التي لا تعلم شيئا في السماوات ولا في الأرض ، وإذا ثبت أنها لا تعلم فكيف تشفع ؟ والشافع لا بد وأن يعرف المشفوع عنده ، والمشفوع له ، هكذا أعربه الشيخ ، فجعل " ما " عبارة عن الأصنام لا عن الشفاعة ، والأول أظهر . و " ما " في " عما يشركون " يحتمل أن تكون بمعنى الذي ، أي : عن شركائهم الذي يشركونهم به في العبادة . أو مصدرية ، أي : عن إشراكهم به غيره .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ الأخوان هنا " عما يشركون " ، وفي النحل موضعين ، الأول : سبحانه وتعالى عما يشركون ينزل الملائكة ، والثاني : بالحق تعالى عما يشركون . وفي الروم : هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء سبحانه وتعالى عما يشركون بالخطاب . والباقون بالغيبة في الجميع . والخطاب والغيبة واضحتان .

                                                                                                                                                                                                                                      وأتى هنا بـ " يشركون " مضارعا دون الماضي تنبيها على استمرار حالهم كما جاءوا يعبدون ، وتنبيها أيضا على أنهم على الشرك في المستقبل ، كما كانوا عليه في الماضي .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية