الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ . (30) قوله تعالى : هنالك تبلو كل نفس : في " هنالك " وجهان ، الظاهر بقاؤه على أصله من دلالته على ظرف المكان ، أي : في ذلك [ ص: 193 ] الموقف الدحض والمكان الدهش . وقيل : هو هنا ظرف زمان على سبيل الاستعارة ، ومثله هنالك ابتلي المؤمنون ، أي : في ذلك الوقت وكقوله :


                                                                                                                                                                                                                                      2593 - وإذا الأمور تعاظمت وتشاكلت فهناك يعترفون أين المفزع



                                                                                                                                                                                                                                      وإذا أمكن بقاء الشيء على موضوعه فهو أولى .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ الأخوان " تتلو " بتاءين منقوطتين من فوق ، أي : تطلب وتتبع ما أسلفته من أعمالها ، ومن هذا قوله :


                                                                                                                                                                                                                                      2594 - إن المريب يتبع المريبا     كما رأيت الذيب يتلو الذيبا



                                                                                                                                                                                                                                      أي : يتبعه ويتطلبه . ويجوز أن يكون من التلاوة المتعارفة ، أي : تقرأ كل نفس ما عملته مسطرا في صحف الحفظة لقوله تعالى : يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ، وقوله : ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا اقرأ كتابك .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ الباقون : " تبلو " من البلاء وهو الاختبار ، أي : يعرف عملها : أخير هو أم شر . وقرأ عاصم في رواية " نبلو " بالنون والباء الموحدة ، أي : نختبر نحن . و " كل " منصوب على المفعول به . وقوله : " وما أسلفت " على هذه القراءة [ ص: 194 ] يحتمل أن يكون في محل نصب على إسقاط الخافض ، أي : بما أسلفت ، فلما سقط الخافض انتصب مجروره كقوله :


                                                                                                                                                                                                                                      2595 - تمرون الديار ولم تعوجوا     كلامكم علي إذن حرام



                                                                                                                                                                                                                                      ويحتمل أن يكون منصوبا على البدل من " كل نفس " ويكون من بدل الاشتمال . ويجوز أن يكون " نبلو " من البلاء وهو العذاب ، أي : نعذبها بسبب ما أسلفت .

                                                                                                                                                                                                                                      و " ما " يجوز أن تكون موصولة اسمية أو حرفية أو نكرة موصوفة ، والعائد محذوف على التقدير الأول والآخر دون الثاني على المشهور .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ ابن وثاب " وردوا " بكسر الراء تشبيها للعين المضعفة بالمعتلة ، نحو : " قيل " و " بيع " ، ومثله :


                                                                                                                                                                                                                                      2596 - وما حل من جهل حبا حلمائنا      ... ... ... ...

                                                                                                                                                                                                                                      بكسر الحاء ، وقد تقدم بيان ذلك بأوضح من هذا .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : إلى الله لا بد من مضاف ، أي : إلى جزاء الله ، أو موقف جزائه . والجمهور على " الحق " جرا . وقرئ منصوبا على أحد وجهين : إما القطع ، وأصله أنه تابع فقطع بإضمار " أمدح " كقولهم : الحمد لله أهل الحمد " ، وإما أنه مصدر مؤكد لمضمون الجملة المتقدمة وهو وردوا إلى الله وإليه نحا الزمخشري ، قال : " كقولك : " هذا عبد الله الحق لا الباطل " على [ ص: 195 ] التأكيد لقوله وردوا إلى الله . وقال مكي : " ويجوز نصبه على المصدر ولم يقرأ به " ، قلت : كأنه لم يطلع على هذه القراءة .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : ما كانوا يفترون " ما " تحتمل الأوجه الثلاثة .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية