الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ . (12) قوله تعالى : يرتع ويلعب : فيها أربع عشرة قراءة إحداها : قراءة نافع بالياء من تحت وكسر العين . الثانية : قراءة البزي عن ابن كثير " نرتع ونلعب " بالنون وكسر العين . الثالثة : قراءة قنبل ، وقد اختلف عليه فنقل عنه ثبوت الياء بعد العين وصلا ووقفا وحذفها وصلا ووقفا ، فيوافق البزي في أحد الوجهين عنه ، فعنه قراءتان . الخامسة : قراءة أبي عمرو وابن عامر " نرتع ونلعب " بالنون وسكون العين والباء . السادسة : قراءة الكوفيين : " يرتع ويلعب " بالياء من تحت وسكون العين والباء .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ جعفر بن محمد " نرتع " بالنون " ويلعب " بالياء ، ورويت عن ابن كثير . وقرأ العلاء بن سيابة " يرتع ويلعب " بالياء فيهما وكسر العين وضم الباء . وقرأ مجاهد وقتادة وابن محيصن " نرتع " بضم النون وسكون العين والباء . وقرأ أبو رجاء كذلك ، إلا أنه بالياء من تحت فيهما . والنخعي ويعقوب " نرتع " بالنون و " يلعب " بالياء . والفعلان في هذه القراءات كلها مبني للفاعل .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ زيد بن علي " يرتع ويلعب " بالياء من تحت مبنيين للمفعول . وقرئ " نرتعي ونلعب " بثبوت الياء ورفع الباء . وقرأ ابن أبي عبلة " نرعي ونلعب " فهذه أربع عشرة قراءة ، منها ست في السبع المتواتر وثمان في الشاذ .

                                                                                                                                                                                                                                      فمن قرأ بالنون أسند الفعل إلى إخوة يوسف ، ومن قرأ بالياء أسند الفعل إليه دونهم ، ومن كسر العين اعتقد أنه جزم بحذف حرف العلة ، وجعله مأخوذا [من] يفتعل من الرعي كيرتمي من الرمي . ومن سكن العين اعتقد [ ص: 450 ] أنه جزمه بحذف الحركة وجعله مأخوذا من رتع يرتع إذا اتسع في الخصب قال :


                                                                                                                                                                                                                                      2747 - ... ... ... ... وإذا يخلو له لحمي رتع

                                                                                                                                                                                                                                      ومن سكن الباء جعله مجزوما ، ومن رفعها جعله مرفوعا على الاستئناف أي : وهو يلعب ، ومن غاير بين الفعلين فقرأ بالياء من تحت في " يلعب " دون " نرتع " فلأن اللعب مناسب للصغار . ومن قرأ : " نرتع " رباعيا جعل مفعوله محذوفا ، أي : نرعي مواشينا ، ومن بناها للمفعول فالوجه أنه أضمر المفعول الذي لم يسم فاعله وهو ضمير الغد ، والأصل : نرتع فيه ونلعب فيه ، ثم اتسع فيه فحذف حرف الجر فتعدى إليه الفعل بنفسه فصار : نرتعه ونلعبه ، فلما بناه للمفعول قام الضمير المنصوب مقام فاعله فانقلب مرفوعا واستتر في رافعه ، فهو في الاتساع كقوله :


                                                                                                                                                                                                                                      2748 - ويوم شهدناه سليمى وعامرا      ... ... ... ...

                                                                                                                                                                                                                                      ومن رفع الفعلين جعلهما حالين ، وتكون حالا مقدرة . وأما إثبات الياء في " نرتعي " مع جزم " نلعب " وهي قراءة قنبل فقد تجرأ بعض الناس وردها ، وقال ابن عطية : " هي قراءة ضعيفة لا تجوز إلا في الشعر " وقيل : هي لغة من يجزم بالحركة المقدرة وأنشد :


                                                                                                                                                                                                                                      2749 - ألم يأتيك والأنباء تنمي      ... ... ... ...

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 451 ] وقد تقدمت هذه المسألة مستوفاة .

                                                                                                                                                                                                                                      و " نرتع " يحتمل أن يكون وزنه تفتعل من الرعي وهو أكل المرعى ، ويكون على حذف مضاف : نرتع مواشينا ، أو من المراعاة للشيء قال :


                                                                                                                                                                                                                                      2750 - ترتعي السفح فالكثيب فذا قا     ر فروض القطا فذات الرئال

                                                                                                                                                                                                                                      ويحتمل أن يكون وزنه نفعل من : رتع يرتع إذا أقام في خصب وسعة ، ومنه قول الغضبان بن القبعثرى : " القيد والرتعة وقلة المنعة " وقال الشاعر :


                                                                                                                                                                                                                                      2751 - أكفرا بعد رد الموت عني     وبعد عطائك المائة الرتاعا

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : وإنا له لحافظون جملة حالية ، والعامل فيها أحد شيئين : إما الأمر ، وإما جوابه . فإن قلت : هل يجوز أن تكون المسألة من الإعمال لأن كلا من العاملين يصح تسلطه على الحال ؟ فالجواب : ذلك لا يجوز ، لأن الإعمال يستلزم الإضمار ، والحال لا تضمر ؛ لأنها لا تكون إلا نكرة أو مؤولة بها .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية