الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ . (32) قوله تعالى : فذلكن : مبتدأ والموصول خبره ، أشارت إليه إشارة البعيد وإن كان حاضرا تعظيما له ورفعا منه لتظهر عذرها في شغفها .

                                                                                                                                                                                                                                      وجوز ابن عطية أن يكون " ذلك " [إشارة إلى] حب يوسف ، والضمير في " فيه " عائد على الحب فيكون " ذلك " إشارة إلى غائب على بابه . قلت : يعني بالغائب البعيد ، وإلا فالإشارة لا تكون إلا لحاضر مطلقا .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 491 ] قوله : ما آمره في " ما " وجهان ، أحدهما : أنها مصدرية . والثاني : أنها موصولة ، وهي مفعول بها بقوله : " يفعل " والهاء في " آمره " تحتمل وجهين ، أحدهما : العود على " ما " الموصولة إذا جعلناها بمعنى الذي . والثاني : العود على يوسف . ولم يجوز الزمخشري عودها على يوسف إلا إذا جعلت " ما " مصدرية " فإنه قال : " فإن قلت : الضمير في " آمره " راجع إلى الموصول أم إلى يوسف ؟ قلت : بل إلى الموصول والمعنى : ما آمر به فحذف الجار كما في قوله :


                                                                                                                                                                                                                                      2790 - أمرتك الخير ... ... ... ... ... ... ... ...

                                                                                                                                                                                                                                      ويجوز أن تجعل " ما " مصدرية فيعود على يوسف ، ومعناه : ولئن لم يفعل أمري إياه ، أي : موجب أمري ومقتضاه " . قلت : وعلى هذا فالمفعول الأول محذوف تقديره : ما آمره به وهو ضمير يوسف .

                                                                                                                                                                                                                                      والسين في " استعصم " [فيها وجهان ، أحدهما : أنها] ليست على بابها من الطلب ، بل استفعل هنا بمعنى افتعل ، فاستعصم واعتصم واحد . وقال الزمخشري : " الاستعصام بناء مبالغة يدل على الامتناع البليغ والتحفظ الشديد ، كأنه في عصمة وهو يجتهد في الاستزادة منها ، ونحو : استمسك واستوسع الفتق ، استجمع الرأي ، واستفحل الخطب " ، فرد السين إلى بابها من الطلب وهو معنى حسن ، ولذلك قال ابن عطية : " طلب العصمة واستمسك بها وعصاني " .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 492 ] قال الشيخ : " والذي ذكره التصريفيون في " استعصم " أنه موافق لـ " اعتصم " فاستفعل فيه موافق لـ " افتعل " ، وهذا أجود من جعل استفعل فيه للطلب لأن " اعتصم " يدل على وجود اعتصامه ، وطلب العصمة لا يدل على حصولها ، وأما أنه بناء مبالغة يدل على الاجتهاد في الاستزادة من العصمة فلم يذكر التصريفيون هذا المعنى لـ " استفعل " ، وأما استمسك واستوسع واستجمع الرأي فاستفعل فيه لموافقة افتعل ، والمعنى : امتسك واتسع واجتمع ، وأما " استفحل الخطب " فاستفعل فيه موافقة لتفعل ، أي : تفحل الخطب ، نحو استكبر وتكبر " .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ العامة بتخفيف نون " وليكونن " ، ويقفون عليها بالألف إجراء لها مجرى التنوين ، ولذلك يحذفونها بعد ضمة أو كسرة نحو : " هل تقومون " و " هل تقومين " في : " هل تقومن " و " هل تقومن " ، والنون الموجودة في الوقف نون الرفع رجعوا بها عند عدم ما يقتضي حذفها ، وقد قررت ذلك فيما تقدم .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأت فرقة بتشديدها ، وفيها مخالفة لسواد المصحف لكتبها فيه ألفا ، لأن الوقف عليها كذلك كقوله :


                                                                                                                                                                                                                                      2791 - وإياك والميتات لا تقربنها     ولا تعبد الشيطان والله فاعبدا

                                                                                                                                                                                                                                      أي : فاعبدن فأبدلها ألفا ، وهو أحد الأقوال في قول امرئ القيس :


                                                                                                                                                                                                                                      2792 - قفا نبك ... ... ... ...      ... ... ... ...

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 493 ] وأجرى الوصل مجرى الوقف .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية