الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ . (90) قوله تعالى : أإنك : قرأ ابن كثير ، إنك " بهمزة واحدة والباقون بهمزتين استفهاما ، وقد عرفت قراءاتهم في هاتين الهمزتين تخفيفا وتسهيلا وغير ذلك . فأما قراءة ابن كثير فيحتمل أن تكون خبرا محضا ، واستبعد هذا من حيث تخالف القراءتين مع أن القائل واحد ، وقد أجيب عن ذلك بأن بعضهم قاله استفهاما ، وبعضهم قاله خبرا ، ويحتمل أن تكون استفهاما حذفت منه الأداة لدلالة السياق ، والقراءة الأخرى عليه . وقد تقدم لك نحو من هذا في الأعراف . و " لأنت " يجوز أن تكون " أنت " مبتدأ و " يوسف " خبره ، والجملة خبر " إن " دخلت عليها لام الابتداء . ويجوز أن يكون فصلا ، ولا يجوز أن يكون تأكيدا لاسم إن ؛ لأن هذه اللام لا تدخل على التوكيد .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ أبي : " أإنك أو أنت يوسف " ، وفيها وجهان ، أحدهما ما قاله أبو الفتح : من أن الأصل أإنك لغير يوسف أو أنت يوسف ، فحذف خبر " إن " لدلالة المعنى عليه . الثاني ما قاله الزمخشري : وهو إنك يوسف أو أنت يوسف " فحذف الأول لدلالة الثاني عليه ، وهذا كلام متعجب مستغرب لما يسمع فهو يكرر الاستثبات " .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 552 ] قوله : يتق قرأ قنبل " يتقي " بإثبات الياء وصلا ووقفا ، والباقون بحذفها فيهما . وأما قراءة الجماعة فواضحة لأنه مجزوم . وأما قراءة قنبل فاختلف فيها الناس على قولين ، أجودهما : أن إثبات حرف العلة في الحركة لغة لبعض العرب ، وأنشدوا على ذلك قول قيس ابن زهير :


                                                                                                                                                                                                                                      2826 - ألم يأتيك والأنباء تنمي بما لاقت لبون بني زياد

                                                                                                                                                                                                                                      وقول الآخر :


                                                                                                                                                                                                                                      2827 - هجوت زبان ثم جئت معتذرا     من هجو زبان لم تهجو ولم تدع

                                                                                                                                                                                                                                      وقول الآخر :


                                                                                                                                                                                                                                      2828 - إذا العجوز غضبت فطلق     ولا ترضاها ولا تملق

                                                                                                                                                                                                                                      ومذهب سيبويه أن الجزم بحذف الحركة المقدرة ، وإنما تبعها حرف العلة في الحذف تفرقة بين المرفوع والمجزوم . واعترض عليه بأن الجازم يبين أنه مجزوم ، وعدمه يبين أنه غير مجزوم . وأجيب بأنه في بعض الصور يلبس فاطرد الحذف ، بيانه أنك إذا قلت : " زرني أعطيك " بثبوت الياء احتمل أن يكون " أعطيك " جزاء لزيارته ، وأن يكون خبرا مستأنفا ، فإذا قلت : " أعطك " [ ص: 553 ] بحذفها تعين أن يكون جزاء له ، فقد وقع اللبس بثبوت حرف العلة وفقد بحذفه ، فيقال : حرف العلة يحذف عند الجازم لا به . ومذهب ابن السراج أن الجازم أثر في نفس الحرف فحذفه ، وفيه البحث المتقدم .

                                                                                                                                                                                                                                      الثاني : أنه مرفوع غير مجزوم ، و " من " موصولة والفعل صلتها ، فلذلك لم يحذف لامه . واعترض على هذا بأنه قد عطف عليه مجزوم وهو قوله " ويصبر " فإن قنبلا لم يقرأه إلا ساكن الراء .

                                                                                                                                                                                                                                      وأجيب عن ذلك بأن التسكين لتوالي الحركات . وإن كان من كلمتين كقراءة أبي عمرو : ينصركم يأمركم . وأجيب أيضا بأنه جزم على التوهم ، يعني لما كانت " من " الموصولة تشبه " من " الشرطية . وهذه عبارة فيها غلط على القرآن فينبغي أن يقال : فيها مراعاة للشبه اللفظي ، ولا يقال للتوهم . وأجيب أيضا بأنه سكن للوقف ثم أجري الوصل مجرى الوقف . وأجيب أيضا بأنه إنما جزم حملا لـ " من " الموصولة على " من " الشرطية ؛ لأنها مثلها في المعنى ولذلك دخلت الفاء في خبرها .

                                                                                                                                                                                                                                      قلت : وقد يقال على هذا : يجوز أن تكون " من " شرطية ، وإنما ثبتت الياء ، ولم تجزم " من " لشببها بـ " من " الموصولة ، ثم لم يعتبر هذا الشبه في قوله " ويصبر " فلذلك جزمه إلا أنه يبعد من جهة أن العامل لم يؤثر فيما بعده ، ويليه ويؤثر فيما هو بعيد منه . وقد تقدم الكلام على مثل هذه المسألة أول السورة في قوله يرتع ويلعب .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله فإن الله لا يضيع الرابط بين جملة الشرط وبين جوابها : [ ص: 554 ] إما العموم في " المحسنين " ، وإما الضمير المحذوف ، أي : المحسنين منهم ، وإما لقيام أل مقامه والأصل : محسنيهم ، قامت أل مقام ذلك الضمير .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية