الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم دخلت سنة أربع وثمانين وأربعمائة

فمن الحوادث فيها:

أنه لما أحرق المنجم البصرة كتب إلى واسط يدعوهم إلى طاعته ويقول: أنا الإمام المهدي صاحب الزمان ، آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر ، وأهدي الخلق إلى الحق ، فإن صدقتم بي أمنتكم من العذاب ، وإن عدلتم عن الحق خسفت بكم فآمنوا بالله وبالإمام المهدي .

وفي رابع عشر صفر: خرج توقيع الخليفة بإلزام أهل الذمة بلبس الغيار والزنار ، والدرهم الرصاص المعلق في أعناقهم مكتوب عليه: ذمي ، وأن تلبس النساء مثل هذا الدرهم في حلوقهن عند دخول الحمام ليعرفن ، وأن تلبس الخفاف فردا أسود وفردا أحمر ، وجلجلا في أرجلهن ، وشدد الوزير أبو شجاع في هذا ، فأجابه المقتدي إلى ما أشار به ، وأسلم حينئذ أبو سعد بن الموصلايا كاتب الإنشاء ، وابن أخته أبو نصر هبة الله بحضرة الخليفة .

وفي جمادى الأولى: قدم أبو حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالي الطوسي من أصبهان إلى بغداد للتدريس بالنظامية ، ولقبه نظام الملك: بزين الدين ، شرف الأئمة ، وكان كلامه معسولا وذكاؤه شديدا .

وفي يوم الخميس تاسع رمضان: خرج التوقيع بعزل الوزير أبي شجاع ، وكان السبب أن أصحاب السلطان شكوا منه ، فصادف ذلك غرض النظام في عزله ، فأكد [ ص: 293 ] نوبته ، وكتب السلطان إلى الخليفة يشكو منه ، فصادف ذلك ضجرا من الخليفة من أفعاله التي تصدر عن قلة رغبة في الخدمة ، فعزله وكان يكسر أعراض الديوان والعسكر متابعة للشرع ، حتى إنه لما فتحت سمرقند على يدي ملك شاه جاء البشير فخلع عليه فقال: وأي بشارة هذه ، كأنه قد فتح بلدا من بلاد الكفر ، وهل هم إلا قوم مسلمون استبيح منهم ما لا يستباح من المسلمين . فبلغ هذا السلطان مع ما في قلب الخليفة فعزله وهو في الديوان ، فانصرف إلى داره على حالته مع حواشيه ، وأنشد حينئذ:


تولاها وليس له عدو وفارقها وليس له صديق

فلما كان يوم الجمعة عاشر الشهر: خرج إلى الجامع من داره بباب المراتب ماشيا متلفعا بمنديل من قطن مع جماعة من العلماء والزهاد ، فعظمت العامة ذلك وشنعوا ، وقال الأعداء: إنما قصد الشناعة ، فأنكر عليه أشد الإنكار ، وألزم منزله ، وأخذ الجماعة الذين مشوا معه فأهينوا ، ثم وردت كتب النظام بأن يخرج من بغداد فأخرج إلى در أورد وهو موطنه قديما ، فأقام هناك مدة ، ثم استأذن في الحج فأذن له ، فجاء إلى النيل فأقام بها ، فلم تطب له لكثرة منكرها ، فمضى إلى مشهد علي عليه السلام ، ثم سافر إلى مكة ، فلما أراد الخروج إلى مكة صلحت له نية نظام الملك ، فبعث إليه يقول: أنا أسألك أن أكون عديلك ، وكان النظام قد استعد ذلك ، لكن لم يقدر له ، فقال للرسول:

تخدم عني وتقول منذ أطبق دواتي أمير المؤمنين لم أفتحها ، ولولا ذلك لكتبت الجواب ، وأنا أعادل بالدعاء ، وناب ابن الموصلايا ، ولقب: أمين الدولة ، وخلع عليه ، وتقدم إلى أبي محمد التميمي ، ويمن الخادم بالخروج إلى باب السلطان لاستدعاء أبي منصور بن جهير ، وتقرير وزارته .

التالي السابق


الخدمات العلمية