الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (4) قوله: في إبراهيم : فيه أوجه، أحدها: أنه متعلق بـ "أسوة" تقول: "لي أسوة في فلان". وقد منع أبو البقاء أن يتعلق بها. قال: "لأنها قد وصفت" وهذا لا يبالى به لأنه يغتفر في الظرف ما لا يغتفر في غيره. الثاني: أنه متعلق بـ حسنة تعلق الظرف بالعامل. الثالث: أنه نعت ثان لـ أسوة. الرابع: أنه حال من الضمير المستتر في "حسنة". الخامس: أن يكون خبر كان، و"لكم" تبيين. وقد تقدم لك قراءتا "أسوة" في الأحزاب، والكلام على مادتها.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: إذ قالوا فيه وجهان، أحدهما: أنه خبر كان. والثاني: أنه متعلق بخبرها، قالهما أبو البقاء . ومن جوز في "كان" أن تعمل في الظرف علقه بها.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: برآء هذه قراءة العامة بضم الباء وفتح الراء وألف بين [ ص: 304 ] همزتين، جمع بريء، نحو: كرماء في جمع كريم. وعيسى الهمذاني بكسر الباء وهمزة واحدة بعد ألف نحو: كرام في جمع كريم. وعيسى أيضا، وأبو جعفر، بضم الباء وهمزة بعد ألف. وفيه أوجه، أحدها: أنه جمع بريء أيضا، والأصل كسر الباء، وإنما أبدل من الكسرة ضمة، كـ رخال ورباب قاله الزمخشري . الثاني: أنه جمع أيضا لـ بريء، وأصله برآء كالقراءة المشهورة، إلا أنه حذف الهمزة الأولى تخفيفا، قاله أبو البقاء . الثالث: أنه اسم جمع لـ بريء نحو: تؤام وظؤار اسمي جمع لتوءم وظئر. وقرأ عيسى أيضا: "براء" بفتح الباء. وهمزة بعد ألف كالتي في الزخرف، وصح ذلك لأنه مصدر والمصدر يقع على الجمع كوقوعه على الواحد. قال الزمخشري : "والبراء والبراءة كالظماء والظماءة". وقال مكي : "وأجاز أبو عمرو وعيسى ابن عمر "براء" بكسر الباء جعله ككريم وكرام، وأجاز الفراء "براء" بفتح [ ص: 305 ] الباء"، ثم قال: "وبراء في الأصل مصدر" كأنه لم يطلع عليها قراءة منقولة.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: إلا قول إبراهيم فيه أوجه، أحدها: أنه استثناء متصل من قوله: "في إبراهيم" ولكن لا بد من حذف مضاف ليصح الكلام، تقديره: في مقالات إبراهيم إلا قوله كيت وكيت. الثاني: أنه مستثنى من "أسوة حسنة" وجاز ذلك لأن القول أيضا من جملة الأسوة; لأن الأسوة الاقتداء بالشخص في أقواله وأفعاله، فكأنه قيل لكم: فيه أسوة في جميع أحواله من قول وفعل إلا قوله كذا. وهذا عندي واضح غير محوج إلى تقدير مضاف وغير مخرج الاستثناء من الاتصال الذي هو أصله إلى الانقطاع، ولذلك لم يذكر الزمخشري غيره، قال: "فإن قلت مم استثنى قوله: إلا قول إبراهيم ؟ قلت: من قوله: "أسوة حسنة" لأنه أراد بالأسوة الحسنة قولهم الذي حق عليهم أن يأتسوا به ويتخذوه سنة يستنون بها.

                                                                                                                                                                                                                                      فإن قلت: فإن كان قوله: "لأستغفرن لك" مستثنى من القول الذي هو أسوة حسنة فما بال قوله: وما أملك لك من الله من شيء ، وهو غير حقيق بالاستثناء؟ ألا ترى إلى قوله: قل فمن يملك لكم من الله شيئا ؟ قلت: أراد استثناء جملة قوله لأبيه، والقصد إلى موعد الاستغفار له وما بعده مبني عليه وتابع له. كأنه قال: أنا أستغفر لك وما في طاقتي إلا الاستغفار. الثالث: قال ابن عطية: "ويحتمل أن يكون الاستثناء من التبرؤ والقطيعة التي ذكرت أي: لم تبق صلة إلا كذا". الرابع: أنه استثناء [ ص: 306 ] منقطع أي: لكن قول إبراهيم. وهذا بناء من قائليه على أن القول لم يندرج تحت قوله: "أسوة" وهو ممنوع.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية