الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ثم شرع في الركن الرابع وهو المقر به مترجما عنه بفصل فقال : [ ص: 81 ] ( فصل )

                                                                                                                            ( يشترط في المقر به ) أن يكون مما تجوز به المطالبة و ( أن لا يكون ملكا للمقر ) حين يقر لأن الإقرار ليس إزالة عن الملك ، وإنما هو إخبار عن كونه ملكا للمقر له فلا بد من تقديم المخبر عنه على الخبر ( فلو ) ( قال : داري أو ثوبي ) أو داري التي اشتريتها لنفسي لزيد ( أو ديني الذي على زيد لعمرو ) ولم يرد الإقرار ( فهو لغو ) لأن الإضافة إليه تقتضي الملك له فينافي إقراره لغيره إذ هو إخبار بسابق عليه كما مر فحمل على الوعد بالهبة ومن ثم صح مسكني أو ملبوسي له لأنه قد يسكن ويلبس غير ملكه ، فلو أراد بالإضافة في داري لزيد إضافة سكني صح كما قاله البغوي في فتاويه ، وبحث الأذرعي استفساره عند الإطلاق والعمل بقوله ، ولو قال : الدين الذي كتبته أو باسمي على زيد لعمرو صح ، إذ لا منافاة أيضا ، أو الدين الذي لي على زيد لعمرو لم يصح إلا إن قال : واسمي في الكتاب عارية ، وكذا إن أراد الإقرار فيما يظهر أخذا مما مر ، فلو كان بالدين المقر به رهن أو كفيل انتقل إلى المقر له بذلك كما في فتاوى المصنف ، لكن الأوجه ما فصله التاج الفزاري وهو أنه إن أقر بأن الدين صار لزيد [ ص: 82 ] فلا ينتقل بالرهن لأن صيرورته إليه إنما تكون بالحوالة وهي تبطل الرهن ، وإن أقر بأن الدين كان له بقي الرهن بحاله ، ومر أن دين الرهن ونحو المتعة والخلع وأرش الجناية والحكومة لا يصح الإقرار بها عقب ثبوتها ، وعليه يحمل قول البغوي محل صحة الإقرار فيما مر إذا لم يعلم أنه للمقر إذ لا يزول الملك بالكذب ( ولو ) ( قال : هذا لفلان وكان ملكي إلى أن أقررت ) به ( فأول كلامه إقرار وآخره لغو ) فليطرح آخره فقط ويعمل بأوله لاشتماله على جملتين مستقلتين ، ومن هذا علم صحة هذا ملكي هذا لفلان كما صرح به الإمام واقتضاه كلام الرافعي ، أو هذا لي وكان ملك زيد إلى أن أقررت لأنه إقرار بعد إنكار أو عكسه ، وإنما لم يقبل قول شاهد تناقض كأن حكى ما ذكر وإن أمكن الجمع فيه لأنه يحتاط في الشهادة ما لا يحتاط للإقرار ( وليكن المقر به ) من الأعيان ( في يد المقر ) حسا أو حكما ( ليسلم بالإقرار إلى المقر له ) لأنه عند انتفاء يده عنه إما مدع أو شاهد بغير لفظيهما فلم يقبل واشتراط كونه بيده بالنسبة لأعمال الإقرار وهو التسليم لا لصحته فلا يقال إنه لاغ بالكلية بل متى حصل بيده لزمه تسليمه إليه كما سيأتي .

                                                                                                                            ويستثنى ما لو باع بشرط الخيار له أو لهما ثم ادعاه رجل فأقر البائع في مدة الخيار له به فإنه يصح وينفسخ البيع لأن له الفسخ ، وما لو باع الحاكم مال غائب بسبب اقتضاه ثم قدم وادعى أنه كان قد تصرف فيه [ ص: 83 ] قبل بيع الحاكم فإنه يقبل منه كما نقله الرافعي قبيل كتاب الصداق عن النص ، وما أفتى به صاحب البيان من قبول إقرار من وهب لولده عينا ثم أقبضه إياها ثم أقر بها لغيره مفرع كما قاله الأذرعي على أن تصرف الواهب رجوع والأصح خلافه ، ومحل ما ذكره المصنف إذا كان في يده لنفسه ، فلو كان نائبا عن غيره كناظر وقف وولي محجور لم يصح إقراره وخرج بما ذكرناه في تقرير كلامه الدين فلا يأتي فيه ما ذكر ( فلو ) ( أقر ولم يكن في يده ثم صار ) في يده ( عمل بمقتضى الإقرار ) بأن يسلم للمقر له في الحال .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            [ ص: 81 ] فصل ) يشترط في المقر به إلخ

                                                                                                                            ( قوله : وأن لا يكون ملكا للمقر إلخ ) لعل المراد من هذا أن لا يأتي في لفظه بما يدل على أنه ملك للمقر وليست صحة الإقرار وبطلانه دائرين على ما في نفس الأمر لأنه لا اطلاع لنا عليه حتى نرتب الحكم عليه .

                                                                                                                            نعم في الباطن العبرة بما في نفس الأمر حتى لو قال : هذه الدار لزيد ولم تكن لزيد لم يصح الإقرار ، أو داري التي ملكتها لزيد وكانت له في الواقع فهو إقرار صحيح ، ويجب تأويل الإضافة والكذب لا يحصل الملك ( قوله : التي اشتريتها لنفسي لزيد ) قياسه أن مثل ذلك ما لو قال : مالي الذي ورثته من أبي لزيد ( قوله : فهو لغو ) أي بخلاف ما لو قال : له علي في داري أو مالي ألف فلا يكون لغوا بل هو إقرار كما يأتي ما يؤخذ منه ذلك في الفصل الآتي بعد قول المصنف ولو قال : له في ميراثي من أبي ألف إلخ ( قوله : لأن الإضافة إليه تقتضي الملك ) أي حيث لم يكن المضاف مشتقا ولا في حكمه ، فإن كان كذلك اقتضى الاختصاص بالنظر لما دل عليه مبدأ الاشتقاق ، فقوله فمن ثم كان قوله : داري أو ثوبي لزيد لغوا لأن المضاف فيه غير مشتق فأفادت إضافته الاختصاص مطلقا ، ومن لازمه الملك بخلاف مسكني فإن إضافته إنما تفيد الاختصاص من حيث السكنى لا مطلقا لاشتقاقه ( قوله : ويلبس غير ملكه إلخ ) ويتردد النظر في قوله : داري التي أسكنها لأن ذكر هذا الوصف قرينة على أنه لم يرد بالإضافة الملك ا هـ حج .

                                                                                                                            أقول : الأقرب عدم الصحة لأن ما ذكره لا يصلح لدفع ما دلت عليه الإضافة . ونقل سم على حج ما يصرح به ، والكلام عند الإطلاق فلو أراد به الإقرار عمل به ( قوله : إضافة سكني ) أي لنفسه ( قوله : صح ) أي ويكون إقراره لزيد بالدار ( قوله : كما قاله البغوي إلخ ) معتمد ( قوله : وكذا إن أراد الإقرار ) أي فيصح ، وقياسه الصحة فيما لو قال : داري التي هي ملكي لزيد وقال : أردت الإقرار ، لكن في سم على منهج عن شرح الروض أنه لا يصح الإقرار في هذه ، وعن ع أن ظاهر شرح المنهج عدم قبول إرادة الإقرار ا هـ .

                                                                                                                            ولو قيل بقبول إرادته وحمله على إرادة [ ص: 82 ] المجاز باعتبار ما كان أو في ظاهر الحال لم يبعد ( قوله : كان له ) أي أو أطلق ، واقتضى الإطلاق الصحة ( قوله : ومر ) أي قبل فصل الصيغة بعد قول المصنف وإن أسنده إلى جهة لا تمكن في حقه إلخ في قوله ، ومن المستحيل شرعا أن يقر لقن عقب عتقه وأن يثبت له دين بنحو صداق أو خلع أو جناية فيقر به لغيره إلخ ( قوله : أن دين الرهن ) عبارة حج أن دين المهر وهي الصواب والموافقة لما مر من تعبيره بالصداق ( قوله : ونحو المتعة ) كوطء الشبهة ( قوله : لا يصح الإقرار ) ظاهره وإن أراده وهو ظاهر لظهور الكذب فيه ، وأفهم قوله دين المهر إلخ إن عين ما ذكره كأن أمهر أو أمتع عينا يصح الإقرار بها عقب ثبوتها وهو ظاهر كما يفهم من قوله الآتي ، فلو أقر ولم يكن بيده ثم صار عمل بمقتضى الإقرار فليتأمل ا هـ سم على حج وقول سم بمقتضى الإقرار : أي لجواز أن تكون العين مغصوبة فلم تدخل في ملكها ( قوله : ومن هذا ) الإشارة راجعة إلى قوله على جملتين ( قوله : علم صحة هذا ) أي فيكون إقرارا ( قوله : أو عكسه ) أي وكل منهما صحيح ، والمراد بعكسه الإنكار بعد الإقرار ( قوله : كأن حكى ما ذكر ) بأن قال : إن زيدا أقر بأن هذا ملك عمرو ، وكان ملك زيد إلى أن أقر به شرح الروض ، وظاهره أنه لا فرق في عدم القبول بين كونه يجعل ذلك إخبارا من نفسه أو نقلا عن كلام المقر ، وقال سم على حج : إنه محمول على ما لو جعله من نفسه حكاية لكلام الغير بالمعنى . ثم قال : لكن كلام الشارح ظاهر في خلافه فليراجع ، ومع ذلك فالأوجه معنى ما اقتضاه كلام شرح الروض من أنه لو قال قال زيد هذا ملك عمرو وكان ملكي إلى أن أقررت به كان إقرارا لأن هذا نقل لخصوص ما قاله المقر ، فلا فرق بين كونه صادرا منه أو من الشاهد إخبارا عنه ( قوله : أو حكما ) أي كالمعار أو المؤجر تحت يد غيره ( قوله : وينفسخ البيع ) لعل المراد أنه يتبين بطلانه لعدم دخوله في ملك المشتري وبقاء ملك البائع عليه فلا يصح بيعه له ، أو أن المراد وينفسخ الأثر الذي كان يترتب على العقد لو لم يأت بما يقتضي الانفساخ ( قوله : لأن له الفسخ ) مقتضاه أنه لو اطلع البائع على عيب في الثمن المعين أو المشتري على عيب في المبيع ثم أقر البائع أو المشتري بالمبيع لأجنبي صح لأن لهما الفسخ فليراجع ، وقياس ما يأتي في قوله وما أفتى به صاحب البيان إلخ خلافه لأن مجرد الاطلاع على العيب لا يحصل به الفسخ ، وهذا والأولى تعليل صحة الإقرار [ ص: 83 ] بزمن الخيار المذكور بأن المقر به لم يخرج عن ملك المقر بالبيع لفرض الكلام فيما لو كان الخيار للبائع أو لهما ، وعليه فلا يشكل ما يأتي في الهبة ولا يتوجه إلحاق خيار العيب بخيار الشرط فلا يكون الإقرار به صحيحا ( قوله : فإنه يقبل منه ) أي بيمينه على القاعدة من أنهم حيث أطلقوا القبول حمل على ما هو باليمين ، فإن أرادوا خلافه قالوا بلا يمين ( قوله : والأصح خلافه ) أي فيكون قوله لغوا ، وظاهره وإن دلت القرينة على صدقه ( قوله : لم يصح إقراره ) أي ما لم يستأذن الحاكم ويقيم المدعي بينة تشهد بذلك فيصح تصديقا للبينة بل لو أنكر عمل بالبينة ، وإنما احتيج لاستئذان الحاكم لتقام البينة على مدعى عليه ( قوله : وخرج بما ذكرناه ) من قوله من الأعيان ( قوله : فلا يأتي فيه ) أي لكن لو أقر الوارث في حياة مورثه بأن ما لمورثه على زيد لا يستحقه ثم مات مورثه وصار الدين للمقر عمل بمقتضى إقراره فليس له مطالبة المدين أخذا من قول المصنف ، فلو أقر ولم يكن إلخ ( قوله : عمل بمقتضى الإقرار ) .

                                                                                                                            [ تنبيه ] يؤخذ من المتن وغيره صحة ما أجبت به في ممر مستطيل إلى بيوت أو مجرى ماء كذلك إلى أراض لا يقبل : أي كل منهما قسمة ، فأقر بعض الشركاء لآخر بحق فيه من صحة الإقرار ووقف الأمر لتعذر تسليم المقر به لأن يد الشركاء حائلة ، فإن صار بيد المقر ما يمكنه به تسليم الحق المقر به أو أخذ به وإلا فلا ، ولا قيمة هنا للحيلولة لأن الشرط أن تكون من المقر وهي هنا من غيره لتعذر القسمة والمرور في حق الغير ا هـ حج .

                                                                                                                            وقول حج لتعذر تسليم المقر به قد يشكل على هذا ما قيل من أنه يجوز بيع جزء شائع من دار ويصح تسليمه بغير إذن الشريك ، ولم ينظر لكون يده حائلة إلا أن يقال : إن الدار يمكن انتفاع الشريكين بها مهايأة أو قسمتها أو إيجارها من القاضي عليهما بخلاف ما ذكر من الممر والمجرى .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 81 ] فصل ) يشترط في المقر به

                                                                                                                            ( قوله : فلو أراد بالإضافة في داري إلخ ) أي : أو أراد في داري التي اشتريتها لنفسي أنه اشتراها سابقا وخرجت [ ص: 82 ] عن ملكه بناقل ( قوله : في المتن وليكن المقر به في يد المقر ) أي : في تصرفه فلا يرد نحو الغاصب ( قوله : في مدة الخيار له ) لفظ له متعلق ب أقر .

                                                                                                                            واعلم أن الصورة أن الإقرار بعد القبض كما هو ظاهر




                                                                                                                            الخدمات العلمية