الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : وإن قطع أصبعه فتآكلت فذهبت كفه أقيد من الأصبع وأخذ أرش يده إلا أصبعا .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا كما قال اختلف الفقهاء فيمن قطع إصبع رجل فسرى القطع إلى أن تآكلت كفه ثم اندملت فذهب الشافعي إلى وجوب القصاص عليه في الإصبع دون الكف ، فأوجبه في الجناية دون السراية .

                                                                                                                                            [ ص: 164 ] وقال أبو حنيفة : لا قصاص عليه في الإصبع ولا في الكف ، فأسقطه في الجناية والسراية .

                                                                                                                                            وقال آخرون : يجب عليه القصاص في جميع الكف فأوجبوه في الجناية والسراية .

                                                                                                                                            واستدل أبو حنيفة على سقوط القصاص في الجناية والسراية بناء على أصله في أن قطع اليد إذا سرى إلى النفس وجب القصاص في النفس دون اليد ، فكان القصاص عنده معتبرا بالسراية دون الجناية ، وليس في السراية هاهنا قصاص فسقط في الجناية ، واحتج بعده بأمرين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن الجناية إذا لم تضمن سرايتها بالقود لم يضمن أصلها بالقود كالخطأ .

                                                                                                                                            والثاني : أن هذه الجناية قد اجتمع فيها موجب القصاص بالمباشرة وسقط له بالسراية ، وإذا اجتمع في الجناية موجب ومسقط غلب حكم الإسقاط على الإيجاب كالعامد إذا شارك خاطئا .

                                                                                                                                            والدليل على وجوب القصاص في الجناية دون السراية قول الله تعالى والجروح قصاص [ المائدة : 45 ] والجرح مختص بالجناية دون السراية ، ولأن كل جناية وجب القصاص فيها مع عدم السراية وجب القصاص فيها مع وجود السراية ، قياسا على قطع يد الحامل إذا سرى إلى إسقاط حملها ، ولأنه لا يمتنع وجوب القصاص في الجناية وإن انتهت إلى ما لا قصاص فيه كمن رمى رجلا بسهم فنفذ السهم إلى آخر وماتا وجب القصاص للأول دون الثاني ، ولأننا نبنيه على أصلنا في أنه لا يسقط القصاص في الجناية وإن اقتص في السراية ، نقابل أصلهم ، وقياسهم على الخطأ فاسد بسراية الجناية إلى الحمل ، ثم المعنى في الخطأ سقوط القصاص مع الاندمال فسقط مع السراية ووجوب القصاص في العمد مع الاندماج فوجب مع السراية .

                                                                                                                                            وأما قياسهم على شريك الخاطئ فالمعنى فيه مع فساده بالسراية إلى الحمل هو أن قتل الشريكين حادث بالسراية ولم يتميز سراية العمد من سراية الخطأ ، فسقط القود عنهما بسقوطه عن أحدهما ، وحكم الجناية في مسألتنا متميز عن السراية فلم يكن سقوط القود في أحدهما موجبا لسقوطه فيهما ، كما لو قطع أحدهما يده عمدا وقطع الآخر يده الأخرى خطأ لما تميز فعل أحدهما من فعل الآخر لم يكن سقوط القود عن أحدهما موجبا لسقوط القود عن الآخر .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية