الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : حكم العطشان إذا خاف التلف

                                                                                                                                            وهكذا حكم العطشان إذا خاف التلف ، ووجد ماء نجسا أو بولا حل له الشرب منه : لأمسك رمقه وهل له أن يرتوي منه ، على القولين الماضيين في الميتة ، فإن وجد بولا وماء نجسا ، كان شرب الماء النجس أولى من شرب البول : لأن نجاسة الماء طارئة بالمخالطة ، ونجاسة البول لذاته ، ويجوز أن يتداوى بالبول إذا لم يجد دواء طاهرا ، قد أذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " للعرنيين أن يشربوا من ألبان الإبل وأبوالها بالمدينة لما اجتووها " وهكذا يحل له أن يأكل من لحوم الميتة للتداوي إذا لم يكن له دواء سواه ، [ ص: 170 ] ومنعه بعض أصحابنا في التداوي بالمحرمات احتجاجا بما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ما جعل الله شفاءكم فيم حرم عليكم وهذا القائل مخطئ بعد حديث العرنيين من وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن التداوي حال الضرورة ، فصار بها مضطرا إلى أكل الميتة .

                                                                                                                                            والثاني : أن أكل السم حرام والتداوي به متداول ، وقيل : إن السقمونيا سم قاتل ، ولهذا من استكثر منه في الدواء قتله ، ثم يجوز التداوي به ، كذلك كل حرام .

                                                                                                                                            فأما الخبر ، فمعناه أن ما فيه شفاؤكم منه ، حرم عليكم .

                                                                                                                                            فأما شرب الخمر من العطش وللتداوي ، فالظاهر من مذهب الشافعي أنه لا يحل شربها ، من العطش ولا للتداوي ، وذهب بعض البغداديين من أصحابه إلى جواز شربها للعطش لا للتداوي : ولأن ضرر العطش عاجل ، وضرر الداء آجل ، وذهب بعض البصريين من أصحابه أن جواز شربها للتداوي دون العطش : لأنها متعينة في الدواء وغير متعينة في العطش .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة وسفيان الثوري : يجوز شربها في العطش والتداوي .

                                                                                                                                            والدليل على تحريمها في الحالين ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : الخمر داء : ولأنها تزيد في العطش ولا تروي : ولأنها تحدث من السكر ما يزيل العقل ، وتمنع الفرائض : ولأن شربها في أحد الحالين ذريعة إلى شربها مع عدم تلك الحال : لأن الشهوة رغيبة عليها : ولذلك حرم إمساكها ، ووجب الحد على شاربها ، وهكذا كل مسكر فهو خمر .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية