الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
143 - أخبرنا أحمد بن سليمان بن أيوب ، ثنا أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو بن صفوان ، (ح) ، وأنبأ أحمد بن محمد بن إبراهيم ، ثنا أحمد بن مهدي ، وعبد الكريم بن الهيثم ، قالوا : ثنا أبو اليمان الحكم بن نافع ، أخبرني شعيب بن أبي حمزة ، عن [ ص: 289 ] الزهري ، أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، أن عبد الله بن عباس أخبره ، أن أبا سفيان بن حرب أخبره : أن هرقل أرسل إليه في ركب من قريش ، وكانوا تجارا بالشام في المدة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ماد فيها أبا سفيان ، وكفار قريش فأتوه ، وهو بإيليا ، فدعاهم في مجلسه ، وحوله عظماء الروم ثم دعاهم وترجمانه ، فقال : أيكم أقرب نسبا بهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي ؟ ، قال أبو سفيان : قلت : أنا أقرب إليه نسبا ، قال : أدنوه مني ، وقربوا أصحابه ، فاجعلوهم عند ظهره ، ثم قال لترجمانه : قل لهم : إني سائل هذا عن هذا الرجل فإن كذب فكذبوه ، قال أبو سفيان : فوالله لولا الحياء أن يأثروا علي كذبا لكذبته عنه ، قال : ثم كان أول ما سألني عنه أن قال : كيف نسبه فيكم ؟ ، قال : قلت : هو فينا ذو نسب ، قال : فهل قال هذا القول منكم أحد قبله قط ؟ ، قال : قلت : لا ، قال : فهل كان من آبائه من ملك ؟ ، قال : قلت : لا ، قال : فأشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم ؟ ، قلت : بل ضعفاؤهم ، قال : أيزيدون أم ينقصون ؟ ، قلت : بل يزيدون ، قال : فهل يرتد أحد منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه ؟ ، قال : قلت : لا ، قال : فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ؟ ، قال : قلت : لا ، قال : فهل يغدر ؟ ، قلت : لا ونحن منه في مدة لا ندري ما هو فاعل فيها ، قال : ولم يمكني كلمة أدخل فيها شيئا غير هذه الكلمة ، قال : فهل قاتلتموه ؟ ، قلت : نعم ، قال : كيف كان قتالكم إياه ؟ ، قال : قلت : الحرب بيننا وبينه سجال ينال منا وننال منه ، قال : بماذا يأمركم ؟ ، قال : يقول : اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا واتركوا ما كان يقول آباؤكم ، ويأمرنا بالصلاة ، والصدقة ، والعفاف ، والصلة .

فقال لترجمانه : قل له : إني سألتك عن نسبه فذكرت أنه فيكم ذو نسب ، وكذلك الرسل تبعث في نسب قومها ، وسألتك هل قال أحد منكم هذا القول ؟ ، فذكرت أن لا ، فقلت : لو كان أحد منكم قال هذا القول قبله ؟ ، قلت : رجل يأتم بقول قيل قبله ، وسألتك هل كان من آبائه من ملك ؟ ، فذكرت أن لا ، فقلت : لو كان من آبائه ملك قلت : رجل يطلب ملك أبيه ، وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ؟ ، فذكرت أن لا فقد أعرف أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس ، ويكذب على الله ، وسألتك أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم ؟ ، فذكرت أن ضعفاءهم اتبعوه ، وهم أتباع الرسل ، وسألتك أيزيدون أم ينقصون ؟ ، فذكرت أنهم يزيدون ، وكذلك أمر الإيمان حتى يتم ، وسألتك أيرتد أحد منهم [ ص: 290 ] سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه ، فذكرت أن لا ، وكذلك الإيمان حين يخالط بشاشته القلوب ، وسألتك هل يغدر ؟ ، فذكرت أن لا ، فكذلك الرسل لا تغدر ، وسألتك بم يأمركم ؟ فذكرت أنه يأمركم أن تعبدوا الله ، ولا تشركوا به شيئا ، وينهاكم عن عبادة الأوثان ، ويأمركم بالصلاة ، والصدقة ، والعفاف ، والصلة فإن كان ما تقول حقا فسيملك موضع قدمي هاتين ، وهو نبي قد كنت أعلم أنه خارج ، ولم أكن أظن أنه منكم ، ولو أني أعلم أني أخلص إليه لتجشمت لقاءه ، ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه ، قال : ثم دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بعث به دحية إلى عظيم بصرى ، فدفعه إلى هرقل ، قال : فقرأه فإذا هو : " بسم الله الرحمن الرحيم ، من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم ، سلام على من اتبع الهدى ، أما بعد ، فإني أدعوك بدعاية الإسلام ، أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين ، فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين ، و ( يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا " ) . الآية . قال أبو سفيان : فلما قال ما قال ، وفرغ من قراءة الكتاب كثر عنده الصخب ، وارتفعت الأصوات ، قال : وأخرجنا فقلت لأصحابي حين أخرجنا : لقد أمر أمر ابن أبي كبشة إنه يخافه ملك بني الأصفر ، قال : فما زلت موقنا أن سيظهر حتى أدخل الله علي الإسلام ، وكان ابن الناطور [ ص: 291 ] صاحب إيليا وهرقل سقفا على نصارى الشام يحدث أن هرقل حين قدم إيليا أصبح يوما خبيث النفس ، فقال له بعض بطارقته : لقد أنكرنا هيئتك ، فقال ابن الناطور : وكان هرقل رجلا حزاء ينظر في النجوم فقال لهم حين سألوه : إني رأيت الليلة حين نظرت في النجوم ملك الختان ، قد ظهر فمن يختتن من هذه الأمة ، فقالوا : ليس يختتن غير اليهود فلا يهمنك شأنهم ، واكتب إلى مدائن ملكك فليقتلوا من فيهم من اليهود ، فبينا هم على أمرهم ذلك ، أتى هرقل رجل أرسل إليه غسان يخبره عن خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما استخبره هرقل ، قال : اذهبوا فانظروا أمختتن هو أم لا ؟

فنظروا إليه فحدثوه أنه مختتن ، فسأله عن العرب أيختتنون ، فقال له : هم يختتنون ، فقال هرقل : هذا ملك هذه الأمة قد ظهر ، وكتب هرقل إلى صاحب له برومية ، وكان نظيره في العلم وسار هرقل إلى حمص ، فلم يرم حمص حتى أتاه كتاب من صاحبه يوافق هرقل على خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه نبي ، فأذن هرقل لعظماء الروم في دسكرة له بحمص ، ثم أمر بأبوابها فغلقت ، ثم اطلع فقال بينهم : يا معشر الروم ، هل لكم في الفلاح والرشد ، وأن يثبت [ ص: 292 ] ملككم فتتبعوا هذا الرجل ؟ ، فحاصوا حيصة حمر الوحش إلى الأبواب ، فوجدوها قد أغلقت فلما رأى هرقل نفرتهم ، وأيس من إيمانهم ، قال : ردوهم علي ، وقال : إني قلت مقالتي التي قلت أختبر بها شدتكم على دينكم ، فقد رأيت الذي أحب منكم فسجدوا له ، ورضوا عنه ، وكان ذلك آخر شأن هرقل .
ا ه .

هذا حديث مجمع على صحته رواه صالح ، ويونس ، ومعمر . ا ه .

قال الناسخ : (آخر الجزء الأول من أجزاء الشيخ وأول الثاني) .

[ ص: 293 ] [ ص: 294 ] أول الجزء الثاني

التالي السابق


الخدمات العلمية