الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وإذا تزوجها على حيوان غير موصوف صحت التسمية ولها الوسط منه ، والزوج مخير إن شاء أعطاها ذلك وإن شاء أعطاها قيمته ) [ ص: 355 ] قال رحمه الله : معنى هذه المسألة أن يسمي جنس الحيوان دون الوصف ، بأن يتزوجها على فرس أو حمار . أما إذا لم يسم الجنس بأن يتزوجها على دابة لا تجوز التسمية ويجب مهر المثل . [ ص: 356 ] وقال الشافعي : يجب مهر المثل في الوجهين جميعا ; لأن عنده ما لا يصلح ثمنا في البيع لا يصلح مسمى في النكاح إذ كل واحد منهما معاوضة . ولنا أنه معاوضة مال بغير مال فجعلناه التزام المال ابتداء حتى لا يفسد بأصل الجهالة كالدية والأقارير ، وشرطنا أن يكون المسمى مالا وسطه معلوم رعاية للجانبين ، وذلك عند إعلام الجنس ; لأنه يشتمل على الجيد والرديء والوسط ذو حظ منهما ، بخلاف جهالة الجنس ; لأنه لا وسط له لاختلاف معاني الأجناس ، وبخلاف البيع ; لأن مبناه على المضايقة والمماكسة ، [ ص: 357 ] أما النكاح فمبناه على المسامحة ، وإنما يتخير ; لأن الوسط لا يعرف إلا بالقيمة فصارت أصلا في حق الإيفاء ، والعبد أصل تسمية فيتخير بينهما .

التالي السابق


( قوله وإذا تزوجها على حيوان غير موصوف إلخ ) المهر كما يكون من النقود يكون من العروض والحيوان ، فإذا [ ص: 355 ] كان عرضا أو حيوانا فإما معين كهذا العبد أو الفرس أو الدار فيثبت الملك بمجرد القبول فيه لها إن كان مملوكا له ، وكذا لو لم يكن مشارا إليه إلا أنه أضافه إلى نفسه كعبدي وإلا فلها أن تأخذه بشرائه لها ، فإن عجز عن شرائه لزمه قيمته . ولو استحق نصف الدار خيرت في النصف الباقي في يدها ، إن شاءت ردته بالعيب الفاحش وهو التشقيص في الأملاك المجتمعة ورجعت بقيمة الدار ، وإن شاءت أمسكته ورجعت بقيمة نصفها ، ولو طلقها قبل الدخول كان لها النصف الذي في يدها خاصة ، ولو ولدت الأمة عنده ثم مات الولد فليس على الزوج ضمانه ولا يكون حاله أعلى من حال ولد المغصوبة ولكن لها الأمة إن دخل بها ، ولا خيار لها إن كان نقصان الولادة يسيرا ، وإن كان فاحشا فلها إن شاءت أخذت الجارية ولا يضمن الزوج شيئا ، وإن شاءت أخذت قيمتها يوم تزوجها عليها ; لأن نقصان الولادة كالعيب السماوي وقد كان الولد جابرا لذلك النقصان ، فإذا مات الولد ظهر النقصان لانعدام ما يجبره ، وقد بينا ثبوت الخيار لها في العيب السماوي بهذه الصفة ، ولو كان الزوج قتله ضمن قيمته ; لأنه أتلف أمانة في يده ، فإن كان في قيمته وفاء بنقصان الولادة لم يضمن نقصانها وإن لم يكن أجاب في كافي الحاكم بأن عليه تمام ذلك .

قال شمس الأئمة : وهو غلط ، فقد بين في الابتداء أن الزوج لا يضمن نقصان الولادة عند موت الولد فكذا لا يضمن ما زاد على قيمته من قدر النقصان ، ولكن إن كان يسيرا فلا خيار لها ، وإن كان فاحشا فلها الخيار كما قلنا ، ولا إشكال في الثوب المعين في ثبوت الصحة ، غير أنه إذا زاد فقال هذا الثوب الهروي ولم يكن هرويا فليس لها غيره ، وعلى قول أبي يوسف لها قيمة ثوب هروي وسط ، وعلى قول زفر لها الخيار بين أن تأخذه أو تطلب قيمة الهروي الوسط ; لأنها وجدته على خلاف شرطه ، ولكنا نقول المشار إليه من جنس المسمى فيتعلق العقد بالمشار إليه ، وسنقرره إن شاء الله تعالى .

وإما غير معين فلا يخلو إما أن يكون مكيلا أو موزونا أو غيرهما ، ففي غيرهما إن لم يعين الجنس بأن قال حيوان ثوب دار لم يصح ويجب مهر المثل بالغا ما بلغ ; لأن بجهالة الجنس لا يعرف الوسط ; لأنه إنما يتحقق في الأفراد المماثلة وذلك باتحاد النوع ، بخلاف الحيوان الذي تحته الفرس والحمار وغيرهما والثوب الذي تحته القطن والكتان والحرير ، واختلاف الصنعة أيضا والدار التي تحتها ما يختلف اختلاقا فاحشا بالبلدان والمحال والضيق والسعة وكثرة المرافق وقلتها فتكون هذه الجهالة أفحش من جهالة مهر المثل فمهر المثل أولى . وإن عينه بأن قال عبد أمة فرس حمار بيت صحت التسمية وإن لم يصفه ، وينصرف إلى بيت وسط من ذلك ، وكذا باقيها وهذا في عرفهم ، أما البيت في عرفنا فليس خاصا بما يبات فيه بل يقال لمجموع المنزل والدار فينبغي أن يجب بتسميته مهر المثل كالدار ، وتجبر على قبول قيمته لو أتاها بها ، وبقولنا قال مالك وأحمد خلافا للشافعي . له أن عقد النكاح معاوضة فلا تصح التسمية مع جهالة العوض كالبيع .

ولنا أنه معاوضة مال بما ليس بمال والحيوان يثبت في ذلك بالذمة أصله إيجاب الشرع مائة من الإبل في الدية وفي الجنين غرة عبد أو أمة ، [ ص: 356 ] في الذمة وليس فيها معلوم إلا الوسط من الأسنان الخاصة . وسر هذا الشرع عدم جريان المشاحة في ذلك حيث لم يقابلها مال فلا يفضي جهالة الوصف فيه إلى المنازعة المانعة من التسليم والتسلم ، ألا يرى أن الشرع أوجب مهر المثل مع جهالة وصفه وقدره في بعض الصور بأن لم يكن من أقاربها من تزوج وعلم لها مهر فإنه يحتاج إلى تقويم وتخمين ، بل جهالة مهر المثل فوق جهالة العبد ; لأن جهالته في الصفة وجهالة المثل جهالة جنس فتصحيح التسمية أولى ( قوله وشرطنا أن يكون إلخ ) جواب سؤال تقديره لما شابه النكاح حينئذ الإقرار في كونه التزام مال ابتداء ينبغي أن يصح تسمية حيوان كما يصح الإقرار بشيء ويلزمه البيان من غير توقف على كون المقر به مالا له وسط وطرفان فقال : شرطنا ذلك رعاية لجانبي المرأة والزوج ، إذ جهة كونه معاوضة توجب اشتراط نفي الجهالة أصلا ، لكن لما لم يكن المال من الجانبين تحملت فيه الجهالة اليسيرة مع أنه المورد الشرعي : أعني إيجاب الشرع للوسط في حيوان الزكاة رعاية لجانبي الفقراء وأرباب الأموال ، وكذا ما ذكرناه من الدية والغرة ، ولا يتعدى إلا حكم الأصل ، ولو أسقط قوله فجعلناه التزام المال ابتداء واكتفى بالإلحاق بالدية والغرة ومهر [ ص: 357 ] المثل استغنى عن هذا السؤال وجوابه .

( قوله وإنما يتخير الزوج ) جواب عن سؤال مقدر أن ما ذكرتم يقتضي وجوب الوسط ، والحكم عندكم وجوب أحد الأمرين منه ومن قيمته حتى تجبر على قبولها . أجاب لما كان الوسط لا يعرف إلا بتقويمه صارت القيمة أصلا مزاحما للمسمى كأنها هو فهي أصل من وجه فتجبر على قبول أي أتاها به . وبهذا التقرير يندفع ما قد يقال : إذا كان الحكم ذلك صار كأنه تزوجها على عبد أو قيمته ، وفيه يجب مهر المثل ; لأن هذا التقرير إنما أفاد أن الأصل العبد عينا والقيمة مخلص ، ألا يرى إلى التشبيه في قولنا كأنها هو . وفي المبسوط بعد أن قال لكون المهر عرضا راعينا صفة الوسطية ليعتدل النظر من الجانبين ولكونه مالا يلتزم ابتداء لا يمنع جهالة الصفة صحة الالتزام . قال : ولهذا لو أتاها بالقيمة أجبرت على القبول ; لأن صحة الالتزام باعتبار صفة المالية ، والقيمة فيه كالعين . هذا وتعتبر القيمة بقدر الغلاء وبالرخص ، ويختلف ذلك بحسب الأوقات وهو الصحيح وإنما قدر أبو حنيفة في العبيد السود بأربعين دينارا وفي العبيد البيض بخمسين لما كان في زمانه .




الخدمات العلمية