الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
والسبي يوجب ملك الرقبة وهو لا ينافي النكاح ابتداء فكذلك بقاء [ ص: 425 ] وصار كالشراء ثم هو يقتضي الصفاء في محل عمله وهو المال لا في محل النكاح . وفي المستأمن لم تتباين الدار حكما [ ص: 426 - 427 ] لقصده الرجوع .

التالي السابق


. ثم الشرع يفسد تعيين السبي علة فقال ( والسبي يوجب ملك الرقبة ) يعني يمنع أن [ ص: 425 ] يكون موجبا غير ذلك ، وإذن فما اقتضاه ملك الرقبة لزم السبي تبعا لملكها ، وما لا فلا ، وملك الرقبة لا يقتضي ملك النكاح إلا إذا ورد على خال عن مملوكيته أو مالكيته ، وكذا ابتداء النكاح وبقاؤه في العبد المشترى فهو كسائر أسباب الملك من الشراء والهبة والإرث وزوال أملاك المسبي لثبوت رقه ، والعبد لا ملك له في المال ، بخلاف النكاح فإنه من خصائص الآدمية فيملكه إذا ابتدأ وجوده بطريق الصحة حتى لا يملك سيده التطليق عليه ، وإنما توقف في الابتداء على إذنه لما يستلزم من تنقيص ماليته . وسقوط الدين الكائن لكافر على المسبي الحر ليس مقتضى السبي بل لتعذر بقائه ; لأنه إنما يبقى ما كان وهو حين وجب كان في ذمته لا شاغلا لمالية رقبته .

ولا يمكن أن يثبت بعد الرق بالسبي إلا شاغلا لها فيصير الباقي غيره ، ولذا لو كان المسبي عبدا مديونا كذلك لا يسقط عنه الدين بالسبي . نص عليه محمد في المأذون . فإن قيل : بل يجوز كون الدين في ذمة العبد غير متعلق برقبته ، ولذا يثبت الدين بإقراره به ولا يباع فيه . أجيب بمنع تعلقه في العبد كذلك ، وإنما لا يطالب بإقراره ; لأن إقراره لا يسري في حق المولى ، حتى لو ثبت بالاستهلاك قطعا معاينة بيع فيه . وأما ما استدل به من قصة أبي سفيان فالحق أن أبا سفيان لم يكن حسن الإسلام يومئذ بل ولا بعد الفتح ، وهو شاهد حنينا على ما تفيده السير الصحيحة من قوله حين انهزم المسلمون : لا ترجع هزيمتهم إلى البحر . وما نقل أن الأزلام حينئذ كانت معه وغير ذلك مما يشهد بما ذكرنا مما نقل من كلامه بمكة قبل الخروج إلى هوازن بحنين وإنما حسن إسلامه بعد ذلك رضي الله عنه ، والذي كان إسلامه حسنا حين أسلم هو أبو سفيان بن الحارث ، وأما عكرمة وحكيم فإنما هربا إلى الساحل وهو من حدود مكة فلم تتباين دارهم . وأما أبو العاص فإنما ردها عليه صلى الله عليه وسلم بنكاح جديد ، روى ذلك الترمذي وابن ماجه والإمام أحمد ، والجمع إذا أمكن أولى من إهدار أحدهما ، وهو بحمل قوله على النكاح الأول على معنى بسبب سبقه مراعاة لحرمته كما يقال ضربته على إساءته ، وقيل قوله ردها على النكاح الأول لم يحدث شيئا معناه على مثله لم يحدث زيادة في الصداق والحباء وهو تأويل حسن .

هذا وما ذكرناه مثبت وعلى النكاح الأول ناف ; لأنه مبق على الأصل . وأيضا يقطع بأن الفرقة وقعت بينزينب وبين أبي العاص بمدة تزيد على عشر سنين ، فإنها أسلمت بمكة في ابتداء الدعوة حين دعا صلى الله عليه وسلم زوجته خديجة وبناته ، ولقد [ ص: 426 ] انقضت المدة التي تبين بها في دار الحرب مرارا وولدت . وروي أنها كانت حاملا فأسقطت حين خرجت مهاجرة إلى المدينة ، وروعها هبار بن الأسود بالرمح .

واستمر أبو العاص بن الربيع على شركه إلى ما قبيل الفتح فخرج تاجرا إلى الشام ، فأخذت سرية المسلمين ماله وأعجزهم هربا ثم دخل بليل على زينب فأجارته ، { ثم كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم السرية فردوا إليه ماله } ، فاحتمل إلى مكة فأدى الودائع وما كان أهل مكة أبضعوا معه ، وكان رجلا أمينا كريما ، فلما لم يبق لأحد عليه علقة قال : يا أهل مكة هل بقي لأحد منكم عندي مال لم يأخذه ؟ قالوا : لا ، فجزاك الله عنا خيرا فقد وجدناك وفيا كريما ، قال : فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ، والله ما منعني من الإسلام عنده إلا تخوف أن تظنوا أني إنما أردت أن آكل أموالكم ، فلما أداها الله إليكم وفرغت منها أسلمت ، ثم خرج حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وما ذكر في الروايات من قولهم وذلك بعد ست سنين أو ثمان سنين أو ثلاث سنين فإنما ذلك من حين فارقته بالأبدان وذلك بعد غزوة بدر . وأما البينونة فقبل ذلك بكثير ; لأنها إن وقعت من حين آمنت فهو قريب من عشرين سنة إلى إسلامه ، وإن وقعت من حين نزلت { ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا } وهي مكية فأكثر من عشر . هذا غير أنه كان حابسها قبل ذلك إلى أن أسر فيمن أسر ببدر { وهو صلى الله عليه وسلم كان مغلوبا على ذلك قبل ذلك ، فلما أرسل أهل مكة في فداء الأسارى أرسلت زينب في فدائه قلادة كانت خديجة أعطتها إياها ، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم رق لها فردها عليها وأطلقه لها ، فلما وصل جهزها إليه صلى الله عليه وسلم ولأنه صلى الله عليه وسلم كان شرط عليه ذلك عند إطلاقه واتفق في مخرجها إليه ما اتفق من هبار بن الأسود } . وهذا أمر لا يكاد أن يختلف فيه اثنان وبه نقطع بأن الرد كان على نكاح جديد كما هو من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، ووجب تأويل رواية { على النكاح الأول } كما ذكرنا .

واعلم أن بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تتصف واحدة منهن قبل البعثة بكفر ليقال آمنت بعد أن لم تكن مؤمنة ، فقد اتفق علماء المسلمين أن الله تعالى لم يبعث نبيا قط أشرك بالله طرفة عين ، والولد يتبع المؤمن من الأبوين فلزم أنهن لم تكن إحداهن قط إلا مسلمة ، نعم قبل البعثة كان الإسلام اتباع ملة إبراهيم عليه السلام ، ومن حين وقع البعثة لا يثبت الكفر إلا بإنكار المنكر بعد بلوغ الدعوة ، ومن أول ذكره صلى الله عليه وسلم لأولاده لم تتوقف واحدة منهن . وأما سبايا أوطاس فقد روي أن النساء سبين وحدهن ، ورواية الترمذي تفيد ذلك عن أبي سعيد الخدري قال : { أصبنا سبايا أوطاس ولهن أزواج في قومهن ، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت { والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم } } لكن بقي أن يقال : العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب ، ومقتضى اللفظ حل المملوكة مطلقا سواء سبيت وحدها أو مع زوج ، وأما المشتراة متزوجة فخارجة بالإجماع فوجب أن يبقى ما سواها داخلا تحت العموم على الإباحة . والجواب أن المسبية مع زوجها تخص أيضا بدليلنا وبما نذكره تبقى المسبية وحدها ذات بعل وبلا بعل والله سبحانه أعلم .

وأما قياسه على الحربي المستأمن والمسلم المستأمن . فالجواب منع وجود التباين ; لأن المدعى علة منه هو التباين حقيقة وحكما وهو يصير الكائن في دار الحرب في حكم الميت حتى يعتق مدبروه وأمهات أولاده ويقسم ميراثه ، والكائن في دارنا ممنوعا من الرجوع ، وهذا منتف في المستأمن . وإذا كافأ ما ذكر بقي ما ذكرنا من المعنى اللازم للتباين الموجب للفرقة سالما عن المعارض [ ص: 427 ] فوجب اعتباره ، ودليل السمع أيضا وهو قوله تعالى { إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات } إلى قوله { فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن وآتوهم ما أنفقوا ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن ولا تمسكوا بعصم الكوافر } وقد أفاد من ثلاث نصوص على وقوع الفرقة ومن وجه اقتضائي وهو قوله تعالى { فلا ترجعوهن }




الخدمات العلمية