الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( ولو كان الابن زوجها إياه فولدت منه لم تصر أم ولد له ولا قيمة عليه وعليه المهر وولدها حر ) لأنه صح التزوج عندنا خلافا للشافعي لخلوها عن ملك الأب ، ألا يرى أن الابن ملكها من [ ص: 409 ] كل وجه فمن المحال أن يملكها الأب من وجه ، وكذا يملك من التصرفات ما لا يبقى معه ملك الأب لو كان ، فدل ذلك على انتفاء ملكه إلا أنه يسقط الحد للشبهة ، فإذا جاز النكاح صار ماؤه مصونا به فلم يثبت ملك اليمين فلا تصير أم ولد له ، [ ص: 410 ] ولا قيمة عليه فيها ولا في ولدها لأنه لم يملكهما ، وعليه المهر لالتزامه بالنكاح وولدها حر لأنه ملكه أخوه فيعتق عليه . .

التالي السابق


( قوله ولو كان الابن زوجها ) أي زوج أمته ( إياه فولدت منه لا تكون أم ولد للأب ولا قيمة عليه للابن وعليه المهر له والولد حر ) وهذا لأنه صح النكاح له خلافا للشافعي ; لأن عنده لا يجوز تزوج الأب جارية الابن . ومبنى الخلاف فيه أن الثابت للأب في جارية ابنه حق ملك عنده فيمتنع تزويجه إياها كأمة مكاتبه والأمة المشتركة وحق التملك عندنا من وجه .

واستدل عليه بأنه [ ص: 409 ] أي الابن يملك من التصرفات فيها ما لا يبقى معه ملك الأب ، ولو قال ما لا يجامعه ملك الأب كان أولى فلا يكون للأب فيها ملك من وجه ، فهذه التصرفات هي وطؤه إياها وانفراده بتزويجها وإعتاقها من غير أن يضمن للأب شيئا ، فهذه لوازم المركب من ملكه وعدم ملك الأب من كل وجه . وإذا ثبتت هذه الأحكام إجماعا لزم كون المراد بما رواه الإمام أحمد { أنت ومالك لأبيك } إثبات حق التملك لا حق الملك وهو لا يمنع صحة النكاح ; ألا يرى أن الواهب يملك التزوج بالموهوبة وله حق تملكها بالاسترداد ، وأصل الحديث في السنن من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده { أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إن لي مالا ووالدا وإن والدي يحتاج إلى مالي ، قال : أنت ومالك لأبيك } وروي { لوالدك ، إن أولادكم من أطيب كسبكم فكلوا من كسب أولادكم } وأما ما روي فيه من حديث عائشة عنه صلى الله عليه وسلم { ولد الرجل من كسبه من أطيب كسبه ، فكلوا من أموالهم } فتعلقه بمجرد الأكل . فإن قيل : لا نسلم أن حل الوطء وما معه دليل الملك من كل وجه لثبوت ذلك في أم الولد والمدبرة مع عدمه بدليل عدم إجزائهما عن الكفارة .

قلنا : بل هما مملوكتان من كل وجه ، وعدم الإجزاء لانعقاد سبب الحرية فيهما فكان نقصانا في رقهما لا في ملك السيد . واعلم أن المجاز لا بد منه في التركيب ; لأنه أضاف المال للابن بقوله ومالك وهو يفيد الملك ; لأنه حقيقة الإضافة في مثله ، ثم أضافه مع الابن للأب باللام المفيدة للملك في مثله والعطف عطف مفرد ، ولا يمكن حقيقة الملك في الابن فلزم في المال أيضا نفي حقيقة الملك وإلا كانت اللام لمعنيين مختلفين في إطلاق واحد .

بقي تعيين المعنى المجازي أهو حق الملك أو حق التملك ؟ فقد يقال : حق الملك أقرب إلى الحقيقة والمجاز الأقرب إليها أولى ، ولكن الأحكام التي ذكرناها تمنع حق الملك ; لأنه ملك من وجه وهي تمنعه ، وإذا لم يكن فيها حق الملك جاز النكاح به يصير ماؤه مصونا فلا تصير به أم ولد [ ص: 410 ] للأب ولا قيمة عليه فيها ولا في ولدها ; لأنه لم يملكهما ، وعليه المهر لالتزامه بالنكاح وولده حر ; لأنه ملكه أخوه فيعتق عليه . وما عن زفر أنها تكون أم ولد له ; لأنها لما كانت أم ولد له بالفجور فأولى بالحل بعيد صدوره عنه فإن أمومية الولد فرع لملك الأمة وملكها ينافي النكاح ، وإنما يصح تفريعا على عدم صحة النكاح .




الخدمات العلمية