الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
6463 2949 - (6499) - (2 \ 160) عن عبد الله بن الحارث، قال: إني لأسير مع معاوية في منصرفه من صفين، بينه وبين عمرو بن العاص، قال: فقال عبد الله بن عمرو بن العاص: يا أبت، ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعمار: " ويحك يا ابن سمية تقتلك الفئة الباغية "؟ قال: فقال عمرو لمعاوية: ألا تسمع ما يقول هذا؟ فقال معاوية: لا تزال تأتينا بهنة أنحن قتلناه؟ إنما قتله الذين جاءوا به.

التالي السابق


* قوله: "من صفين": كسكين: موضع بشاطئ الفرات كانت به الوقعة العظمى بين علي ومعاوية.

* "ويحك": كلمة ترحم.

* " يابن سمية": - بضم سين، تصغير - : أم عمار.

* "الباغية": الخارجة على الإمام الحق.

* "بهنة": الهن - بفتح هاء وتخفيف نون - اشتهر كناية عن الأمر القبيح، [ ص: 301 ] والفعل الذميم، وما يستهجن ذكره، ويجيء لغيره أيضا؛ أي: بشر وقبيح، ولعل التاء فيه لإرادة الكلمة.

* "إنما قتله الذين جاؤوا به": يريد أن النسبة مجازية إلى السبب الحامل.

فإن قلت: المتبادر من اللفظ الحقيقة، ولا يحمل على المجاز إلا لمانع منها، ولا مانع هناك من الحقيقة، فكيف صح له الحمل على المجاز؟

قلت: يمكن أن شبهته منعته من الحمل على الحقيقة، فحمله على المجاز.

وقد روي عنه جواب آخر، وهو أنه قال: "نحن الباغية لدم عثمان" أي: الطالبة له، وهذا قول بموجب الخبر، وهذا الجواب لو ثبت عنه فكأنه أجاب به على تقدير التسليم، على معنى: لو سلم أن النسبة حقيقية، فالمراد بالباغية: الطالبة للدم، لا الخارجة عن الإمام الحق.

ولا يخفى أن الجواب الثاني بعيد من السوق؛ فإن سوق الحديث للمدح، وهذا لا يخفى على أحد ممن يعرف معنى الكلام، وهذا الجواب يجعله مسوقا للذم كما لا يخفى.

وأما الجواب الأول، فيرده آخر الحديث: "تدعوهم إلى الجنة، ويدعونك إلى النار" رواه البخاري وغيره؛ لأنه صريح في أن دعوى عمار ودعوى قتلته على طرفي النقيض، وهو غير متصور بالنسبة إلى علي وقومه؛ لأن دعوتهما كانت واحدة، ولذلك اتفق أهل العلم على حقية علي، وبغي معاوية - رضي الله تعالى عنهما - .

والظاهر أن آخر الحديث ما ثبت عند معاوية، وإلا لما قال بما قال.

وأما معنى آخر الحديث، فلعل قوله: "تدعوهم إلى الجنة" معناه: تدعوهم [ ص: 302 ] إلى طاعة الإمام الحق الذي طاعته تفضي إلى الجنة؛ بمعنى: "ويدعونك إلى النار" أي: إلى طاعة الإمام الباطل الذي طاعته تفضي إلى النار لمن علم ببطلاته؛ كعمار، لا لمن لم يعلم به؛ كمعاوية وأصحابه، والله تعالى أعلم.

وأما إسناد هذا الحديث، فعبد الرحمن مقبول، والبقية ثقات، والله تعالى أعلم.

وهذا الجواب قد جاء عن معاوية بوجوه كثيرة صحيحة وغيرها.

* * *




الخدمات العلمية