الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ 6817 ] أخبرنا أبو الحسين بن بشران ، أخبرنا إسماعيل الصفار ، حدثنا الحسن بن علي بن عفان ، حدثنا ابن نمير ، عن الأعمش ، عن عبد الله بن عبد الله ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن حذيفة قال : قيل له : يا أبا عبد الله ! أكفر بنو إسرائيل في يوم واحد ؟ قال : لا ، ولكن عرضت عليهم فتنة ، فأبوا أن يركبوها فضربوا عليها حتى ركبوها ، ثم عرضت عليهم أكبر منها ، فقالوا : لا نركب هذه أبدا ، فضربوا عليها حتى ركبوها ، ثم [ ص: 377 ] عرضت عليهم أكبر منها فقالوا : لا نركب هذه أبدا ، فضربوا عليها حتى ركبوها ، فانسلخوا من دينهم كما ينسلخ الرجل من قميصه .

قال أحمد : قال أصحابنا : والختم على القلب والطبع بمعنى واحد ، ومن طبع على قلبه في ذنب لم يتب منه أبدا ، قال الله عز وجل : ( إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ) .

فأيس نبيه صلى الله عليه وسلم من إيمانهم ثم أشار إلى سبب ذلك وعلته ، فقال الله : ( ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ) .

ومعنى الختم : التغطية على الشيء والاستيثاق منه حتى لا يدخله شيء فقوله : ( ختم الله على قلوبهم ) أي طبع الله والخاتم بمنزلة الطابع ، والمعنى أنها لا تعقل ولا تعي خيرا ، فأخبر أنه حال بينهم وبين الدواعي إلى الإيمان أن يخلص إلى قلوبهم ، وحال بين قلوبهم وبين إبصار ما في الإيمان من الصواب ، فدل ذلك على أن الكافر مطبوع على قلبه يستحيل وجود الإيمان منه وقال : ( أولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم وأولئك هم الغافلون ) .

فأخبر أن المطبوع عليه غافل ، ووجود الفعل الذي شرطه الاختيار عن الغافل عنه غير ممكن ، وأصل الطبع في اللغة من الوسخ والدنس يغشيان السيف ثم يستعمل فيما يشبه الوسخ والدنس من الآثام والأقذار وغيرها من المقابح ، والاستثناء في قوله : ( بل طبع الله عليها بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا ) من جماعة اليهود الذين ابتدئت القصة بذكرهم ، لا من المطبوع على قلوبهم ، ويجوز أن يكونوا مأمورين بالإيمان ، ولا يجوز وجوده منهم ، فقد أخبرنا الله عز وجل عن جماعة من الكفار ( أنهم لا يؤمنون ) .

والأمر بالإيمان غير زائل عنهم ، وأخبر أنه أوحى إلى نوح عليه السلام

( أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن ) .

[ ص: 378 ] ولذلك غرقهم ، ثم لا يجوز أن يقال : إن الأمر بالإيمان زال عنهم ، ولعن إبليس وجعله شيطانا ، فصار ممن لا يؤمن ولا يتوب أبدا ، ولا يجوز أن يقال : إن الأمر بالإيمان والتوبة زائل عنه ، فذلك المطبوع على قلبه ، والله أعلم وهكذا كله معنى قول الحليمي وغيره من أهل العلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية