الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ 390 ] أخبرنا أبو محمد عبد الله بن يوسف الأصبهاني ، أخبرنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن زياد البصري بمكة ، حدثنا سعدان بن نصر ، حدثنا أبو معاوية الضرير ، حدثنا الأعمش ، عن المنهال بن عمرو ، عن زاذان أبي عمر ، عن البراء بن عازب قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار فانتهينا إلى القبر ، ولما يلحد قال : فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجلسنا حوله كأن على رؤسنا الطير ، وفي يده عود ينكت به قال : فرفع رأسه وقال : " استعيذوا بالله من عذاب القبر ، فإن الرجل المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا ، وإقبال من الآخرة نزلت إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه ، وكأن وجوههم الشمس معهم حنوط من حنوط الجنة ، وكفن من كفن الجنة حتى يجلسوا منه مد البصر ، ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول : أيتها النفس الطيبة اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان قال : فتخرج نفسه فتسيل كما تسيل القطرة من فم السقاء ، فيأخذها فإذا أخذها لم يدعها في يده طرفة عين حتى يأخذها فيجعلها في ذلك الكفن ، وفي ذلك الحنوط ، ويخرج منها كأطيب نفحة ريح مسك ، وجدت على ظهر الأرض فلا يمرون بملأ من الملائكة إلا قالوا :

[ ص: 611 ] ما هذه الريح الطيبة ؟ فيقولون : فلان بن فلان بأحسن أسمائه الذي كان يسمى بها في الدنيا حتى ينتهي بها إلى السماء الدنيا ، فيفتح له فيشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها حتى ينتهي بها إلى السماء السابعة فيقول الله عز وجل : اكتبوا عبدي في عليين في السماء السابعة ، وأعيدوه إلى الأرض فإني منها خلقتهم ، وفيها أعيدهم ، ومنها أخرجهم تارة أخرى فتعاد روحه في جسده ، فيأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان : من ربك ؟ فيقول : ربي الله ، فيقولان : وما دينك ؟ فيقول : ديني الإسلام ، فيقولان : ما هذا الرجل الذي بعث فيكم ؟ فيقول هو رسول الله ، فيقولان : وما يدريك ؟ فيقول : قرأت كتاب الله عز وجل فآمنت به وصدقت ، قال : فينادي مناد من السماء أن صدق عبدي فافرشوه من الجنة ، وألبسوه من الجنة ، وافتحوا له بابا من الجنة فيأتيه من روحها وطيبها ، ويفسح له في قبره مد بصره ، ويأتيه رجل حسن الوجه طيب الريح فيقول له : أبشر بالذي يسرك فهذا يومك الذي كنت توعد فيقول : من أنت ؟ فوجهك الوجه الذي يأتي بالخير ، فيقول : أنا عملك الصالح فيقول : رب أقم الساعة رب أقم الساعة حتى أرجع إلى أهلي ومالي " .

قال : " وأما العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا ، وإقبال من الآخرة نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه ومعهم المسوح حتى يجلسوا منه مد البصر ، ثم يأتيه ملك الموت فيجلس عند رأسه فيقول : أيتها النفس الخبيثة اخرجي إلى سخط الله وغضبه " . قال : " فتفرق في جسده فينتزعها ، ومعها العصب والعروق كما ينتزع السفود من الصوف المبلول فيأخذونها فيجعلونها في تلك المسوح " . قال : " ويخرج منها أنتن من جيفة وجدت على وجه الأرض فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا : ما هذه الروح الخبيثة ؟ فيقولون : فلان بن فلان بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا حتى ينتهي بها إلى السماء الدنيا فيستفتح له فلا يفتح له ، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا تفتح لهم أبواب السماء ) . إلى آخر الآية قال : فيقول الله تبارك وتعالى : اكتبوا [ ص: 612 ] كتابه في سجين في الأرض السابعة السفلى ، وأعيدوه إلى الأرض فإنا منها خلقناهم ، وفيها نعيدهم ، ومنها نخرجهم تارة أخرى " . قال : " فتطرح روحه طرحا ، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء ) الآية ، ثم تعاد روحه في جسده فيأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له : من ربك ؟ فيقول : هاه هاه لا أدري ، فيقولان له : ما دينك ؟ فيقول : هاه هاه لا أدري ، فيقولان له ما هذا الرجل الذي بعث فيكم ؟ فيقول : هاه هاه لا أدري ، فينادي مناد من السماء أن كذب فافرشوه من النار ، وألبسوه من النار ، وافتحوا له بابا من النار فيأتيه من حرها وسمومها ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه " . قال : " ويأتيه رجل قبيح الوجه منتن الريح فيقول : أبشر بالذي يسوءك هذا يومك الذي كنت توعد " . قال : " فيقول : من أنت فوجهك الوجه الذي يجي بالشر ؟ فيقول : أنا عملك الخبيث ، فيقول : رب لا تقم الساعة رب لا تقم الساعة " .


قال البيهقي رحمه الله : هذا حديث صحيح الإسناد [ ص: 613 ]

وقد ذكرنا سوى هذا من حديث أبي هريرة ، وأبي سعيد الخدري ، وأنس بن مالك ، وأسماء بنت أبي بكر وغيرهم ، عن النبي صلى الله عليه وسلم " [ ص: 614 ]

ورواه عيسى بن المسيب ، عن عدي بن ثابت ، عن البراء ، عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكر فيه اسم الملكين فقال في ذكر المؤمن : " فيرد إلى مضجعه فيأتيه منكر ، ونكير يثيران الأرض بأنيابهما ، ويلحقان الأرض بأشفاههما أصواتهما كالرعد القاصف وأبصارهما كالبرق الخاطف فيجلسانه ، ثم يقال له : يا هذا من ربك ؟ فذكره وقال في ذكر الكافر : " فيأتيه منكر ونكير يثيران الأرض بأنيابهما ويلحقان الأرض بأشفاهما ، أصواتهما كالرعد القاصف ، وأبصارهما كالبرق الخاطف فيجلسانه ، ثم يقولان له : يا هذا من ربك ؟ فيقول : لا أدري فينادى من جانب القبر : لا دريت ويضربانه بمرزبة من حديد لو اجتمع عليها من بين الخافقين لم يقلوها يشتعل منها قبره نارا ويضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه " .

التالي السابق


الخدمات العلمية