الذوق والشرب
ومن جملة ما يجري في كلامهم الذوق والشرب ويعبرون بذلك عما يجدونه من ثمرات التجلي ونتائج الكشوفات وبوارد الواردات وأول ذلك الذوق ثم الشرب ثم الري فصفاء معاملاتهم يوجب لهم ذوق المعاني ووفاء منازلاتهم يوجب لهم الشرب ودوام مواصلاتهم يقتضي لهم الري فصاحب الذوق متساكر وصاحب الري صاح، ومن قوي حبه تسرمد شربه فإذا دامت به تلك الصفة لم يورثه الشرب سكرا فكان صاحيا بالحق فانيا عن كل حظ لم يتأثر بما يرد عليه ولا يتغير عما هو به، ومن صفا سره لم يتكدر عليه الشرب، ومن صار الشراب له غذاء لم يصبر عنه ولم يبق بدونه وأنشدوا:
وإنما الكأس رضاع بيننا فإذا ما لم نذقها لم نعش
وأنشدوا:
عجبت لمن يقول ذكرت ربي فهل أنسى فأذكر ما نسيت
شربت الحب كأسا بعد كأس فما نفد الشراب ولا رويت
ويقال: كتب إلى يحيى بن معاذ أبي يزيد البسطامي ههنا من شرب كأسا من المحبة لم يظمأ بعده [ ص: 179 ] فكتب إليه أبو يزيد عجبت من ضعف حالك ههنا من يحتسي بحار الكون وهو فاغر فاه يستزيد.
واعلم أن كاسات القرب تبدو من الغيب ولا تدار إلا على أسرار معتقة وأرواح عن رقق الأشياء محررة.
[ ص: 180 ]