الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ومن ذلك:

المحاضرة والمكاشفة والمشاهدة  

المحاضرة ابتداء ثم المكاشفة ثم المشاهدة فالمحاضرة حضور القلب وقد يكون بتواتر البرهان وهو بعد وراء الستر وإن كان حاضرا باستيلاء سلطان الذكر ثم بعده المكاشفة وهو حضوره بنعت البيان غير مفتقر في هذه الحالة إلى تأمل الدليل وتطلب السبيل ولا مستجير من دواعي الريب ولا محجوب عن نعت الغيب ثم المشاهدة وهي حضور الحق من غير بقاء تهمة فإذا أصحت سماء السر عن غيوم الستر فشمس الشهود مشرقة عن برج الشرف وحق المشاهدة ما قاله الجنيد رحمه الله: وجود الحق مع فقدانك فصاحب المحاضرة مربوط بآياته وصاحب المكاشفة مبسوط بصفاته وصاحب المشاهدة ملقى بذاته وصاحب المحاضرة يهديه عقله وصاحب المكاشفة يدنيه علمه وصاحب المشاهدة تمحوه معرفته.

ولم يزد في بيان تحقيق المشاهدة أحد على ما قاله عمرو بن عثمان المكي رحمه الله ومعنى ما قاله أنه تتوالى أنوار التجلي على قلبه من غير أن يتخللها ستر وانقطاع كما لو قدر اتصال البروق فكما أن الليلة الظلماء بتوالي البروق فيها واتصالها إذا قدرت تصير في ضوء النهار فكذلك القلب إذا دام به دوام التجلي متع نهاره فلا ليل.

وأنشدوا:


ليلي بوجهك مشرق وظلامه في الناس ساري

[ ص: 185 ]

والناس في سدف الظلام     ونحن في ضوء النهار



وقال النوري: لا يصح للعبد المشاهدة وقد بقي له عرق قائم وقال إذا طلع الصباح استغني عن المصباح وتوهم قوم أن المشاهدة تشير إلى طرف من التفرقة، لأن باب المفاعلة في العربية بين اثنين وهذا وهم من صاحبه فإن في ظهور الحق سبحانه ثبور الخلق وباب المفاعلة جملتها لا تقضي مشاركة الاثنين نحو سافر وطارق النعل وأمثاله وأنشدوا:


فلما استبان الصبح أدرك ضوؤه     بأنواره أنوار ضوء الكواكب
يجرعهم كأسا لو ابتلي به     اللظى بتجريعه طارت كأسرع ذاهب



كأس وأي كأس تصطلمهم عنهم وتفنيهم وتخطفهم منهم ولا تبقيهم كأس لا تبقي ولا تذر تمحوهم بالكلية ولا تبقي شظية من آثار البشرية كما قال قائلهم:

ساروا فلم يبق لا رسم ولا أثر

.

[ ص: 186 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية