الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
174 - ( 23 ) - حديث : روي أنه صلى الله عليه وسلم قال : { الطواف بالبيت صلاة ، إلا أن الله أباح فيه الكلام } الترمذي ، والحاكم والدارقطني ، من حديث ابن عباس ، وصححه ابن السكن ، وابن خزيمة ، وابن حبان ، وقال الترمذي : روي مرفوعا وموقوفا ، ولا نعرفه مرفوعا إلا من حديث عطاء ، ومداره على عطاء بن السائب ، عن طاوس ، عن ابن عباس ، واختلف في رفعه ووقفه . ورجح الموقوف النسائي ، والبيهقي ، وابن الصلاح والمنذري ، والنووي ، وزاد : إن رواية الرفع ضعيفة ، وفي إطلاق ذلك نظر ، فإن عطاء بن السائب صدوق ، وإذا روي عنه الحديث مرفوعا تارة ، وموقوفا أخرى ، فالحكم عند هؤلاء الجماعة للرفع ، والنووي ممن يعتمد ذلك ويكثر منه ولا يلتفت إلى تعليل الحديث به إذا كان الرافع ثقة ، فيجيء على طريقته أن المرفوع صحيح ، فإن اعتل عليه بأن عطاء بن السائب اختلط ، ولا تقبل إلا رواية من رواه عنه قبل اختلاطه ، أجيب بأن الحاكم أخرجه من رواية سفيان الثوري عنه ، والثوري ممن سمع قبل اختلاطه باتفاق .

وإن كان الثوري قد اختلف عليه في وقفه ورفعه ، فعلى طريقتهم تقدم رواية الرفع أيضا ، والحق أنه من رواية سفيان موقوف ، ووهم عليه من رفعه . قال البزار : لا نعلم [ ص: 226 ] أحدا رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا ابن عباس ، ولا نعلم أسند عطاء بن السائب عن طاوس غير هذا ، ورواه غير واحد عن عطاء موقوفا ، وأسنده جرير وفضيل بن عياض ، قلت : وقد غلط فيه أبو حذيفة ، فرواه مرفوعا عن الثوري ، عن عطاء ، عن طاوس ، عن ابن عمر أخرجه الطبراني في الأوسط عن محمد بن أبان ، عن أحمد بن ثابت الجحدري عنه ، ثم ظهر أن الغلط من الجحدري وإلا ، فقد أخرجه ابن السكن من طريق أبي حذيفة ، فقال : عن ابن عباس ، وله طريق أخرى ليس فيها عطاء وهي عند النسائي من حديث أبي عوانة ، عن إبراهيم بن ميسرة ، عن طاوس عن ابن عباس موقوفا ، ورفعه عن إبراهيم ، محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير ، وهو ضعيف رواه الطبراني .

ورواه البيهقي من طريق موسى بن أعين ، عن ليث بن أبي سليم ، عن طاوس ، عن ابن عباس مرفوعا ، وليث يستشهد به قلت : لكن اختلف على موسى بن أعين فيه .

فروى الدارمي عن علي بن معبد عنه ، عن عطاء بن السائب ، فرجع إلى رواية عطاء ، ورواه البيهقي من طريق الباغندي ، عن عبد الله بن عمر بن أبان ، عن ابن عيينة ، عن إبراهيم مرفوعا ، وأنكره البيهقي على الباغندي ، وله طريق أخرى مرفوعة أخرجها الحاكم في أوائل تفسير سورة البقرة من المستدرك من طريق القاسم بن أبي أيوب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس . قال : قال الله لنبيه : { طهر بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود } فالطواف قبل الصلاة ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { الطواف بمنزلة الصلاة إلا أن الله قد أحل فيه النطق ، فمن نطق فلا ينطق إلا بخير }وصحح إسناده ، وهو كما قال فإنهم ثقات ، وأخرج [ ص: 227 ] من طريق حماد بن سلمة ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، أوله الموقوف ، ومن طريق فضيل بن عياض ، عن عطاء ، عن طاوس ، آخره المرفوع ، وروى النسائي وأحمد من طريق ابن جريج ، عن الحسن بن مسلم عن طاوس ، عن رجل أدرك النبي صلى الله عليه وسلم : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { الطواف صلاة ، فإذا طفتم فأقلوا الكلام }وهذه الرواية صحيحة ، وهي تعضد رواية عطاء بن السائب ، وترجح الرواية المرفوعة ، والظاهر أن المبهم فيها هو ابن عباس ، وعلى تقدير أن يكون غيره ، فلا يضر ، إبهام الصحابة .

ورواه النسائي أيضا ، من طريق حنظلة بن أبي سفيان ، عن طاوس ، عن ابن عمر موقوفا .

وإذا تأملت هذه الطرق عرفت أنه اختلف على طاوس على خمسة أوجه ، فأوضح الطرق وأسلمها ، رواية القاسم بن أبي أيوب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، فإنها سالمة من الاضطراب ، إلا أني أظن أن فيها إدراجا ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية