[ ص: 8 ] كتاب الطهارة باب الماء الطاهر 
1 - ( 1 ) - حديث : " البحر : هو الطهور ماؤه    "  مالك   والشافعي  عنه ، والأربعة ،  وابن خزيمة   وابن حبان   وابن الجارود  ،  والحاكم   والدارقطني   والبيهقي  ، وصححه  البخاري  فيما حكاه عنه الترمذي  ، وتعقبه  ابن عبد البر    : بأنه لو كان صحيحا عنده لأخرجه في صحيحه ، وهذا مردود ; لأنه لم يلتزم الاستيعاب ، ثم حكم  ابن عبد البر    - مع ذلك - بصحته لتلقي العلماء له بالقبول ، فرده من حيث الإسناد وقبله من حيث المعنى ، وقد حكم بصحة جملة من الأحاديث لا تبلغ درجة هذا ولا تقاربه ، ورجح ابن منده  صحته ، وصححه أيضا  ابن المنذر   وأبو محمد البغوي    . 
ومداره على  صفوان بن سليم  ، عن سعيد بن سلمة   [ ص: 9 ] ، عن المغيرة بن أبي بردة  ، عن  أبي هريرة  ، قال : { جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله إنا نركب البحر ، ونحمل معنا القليل من الماء ، فإن توضأنا به ، عطشنا ، أفنتوضأ بماء البحر ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هو الطهور ماؤه ، الحل ميتته   }. رواه عنه  مالك  وأبو أويس  ، قال  الشافعي    : في إسناد هذا الحديث من لا أعرفه ، قال  البيهقي    : يحتمل أن يريد سعيد بن سلمة  ، أو المغيرة  أو كليهما . 
قلت : لم ينفرد به سعيد  ، عن المغيرة  ، فقد رواه عنه  يحيى بن سعيد الأنصاري  ، إلا أنه اختلف عليه فيه ، والاضطراب منه ، فرواه  ابن عيينة  ، عن يحيى بن سعيد  ، عن رجل من أهل المغرب  ، يقال له : المغيرة بن عبد الله بن أبي بردة  ، أن ناسا من بني مدلج    : أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره ، وقيل : عنه عن المغيرة  ، عن رجل من بني مدلج    . 
وقيل : عن يحيى  ، عن المغيرة  ، عن أبيه . وقيل : عن يحيى  ، عن المغيرة بن عبد الله  ، أو عبد الله بن المغيرة    . وقيل : عن يحيى  ، عن عبد الله بن المغيرة  ، عن أبيه ، عن رجل من بني مدلج  ، اسمه عبد الله  مرفوعا ، وقيل : عن يحيى  ، عن عبد الله بن المغيرة  ، عن  أبي بردة  مرفوعا . وقيل : عن المغيرة  ، عن عبد الله المدلجي  ، ذكرها  الدارقطني  ، وقال : أشبهها بالصواب قول  مالك  ومن تابعه ، وقال  ابن حبان    : من قال فيه : عن المغيرة  ، عن أبيه ، فقد وهم ، والصواب : عن المغيرة  ، عن  أبي هريرة    . 
وأما حال المغيرة    : فقد روى  الآجري  عن أبي داود  أنه قال : المغيرة بن أبي بردة  معروف ، وقال  ابن عبد البر    : وجدت اسمه في مغازي  موسى بن نصير  ، وقال ابن عبد الحكم    : اجتمع عليه أهل إفريقية  أن يؤمروه بعد قتل  يزيد بن أبي مسلم  فأبى . انتهى ، ووثقه  النسائي  ، فعلم بهذا غلط من زعم أنه مجهول لا يعرف .  [ ص: 10 ] وأما سعيد بن سلمة  فقد تابع  صفوان بن سليم  على روايته له عنه الجلاح أبو كثير  ، رواه عنه  الليث بن سعد  ،  وعمرو بن الحارث  ، وغيرهما ، ومن طريق  الليث  رواه  أحمد   والحاكم   والبيهقي  عنه ، وسياقه أتم ، قال : { كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما ، فجاءه صياد فقال : يا رسول الله إنا ننطلق في البحر نريد الصيد ، فيحمل أحدنا معه الإداوة ، وهو يرجو أن يأخذ الصيد قريبا ، فربما وجده كذلك ، وربما لم يجد الصيد حتى يبلغ من البحر مكانا لم يظن أن يبلغه ، فلعله يحتلم أو يتوضأ ، فإن اغتسل أو توضأ بهذا الماء فلعل أحدنا يهلكه العطش ، فهل ترى في ماء البحر أن نغتسل به أو نتوضأ به إذا خفنا ذلك ؟ فزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : اغتسلوا منه ، وتوضئوا به ، فإنه الطهور ماؤه ، الحل ميتته   }قلت : ورواه عن  مالك  مختصرا للقصة :  أبو بكر بن أبي شيبة  في مصنفه ، عن حماد بن خالد  ، عن  مالك  بسنده ، عن  أبي هريرة  قال : { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في البحر : هو الطهور ماؤه ، الحل ميتته   } 
وهذا أشبه بسياق صاحب الكتاب . 
وفي الباب عن  جابر بن عبد الله    : { أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن ماء البحر فقال : هو الطهور ماؤه ، الحل ميتته   }. رواه  أحمد   وابن ماجه   وابن حبان  ،  والدارقطني   والحاكم  من طريق عبيد الله بن مقسم  عنه ، قال أبو علي بن السكن    : حديث  جابر  أصح ما روي  [ ص: 11 ] في هذا الباب ، ورواه  الطبراني  في الكبير  والدارقطني   والحاكم  ، من حديث  المعافى بن عمران  ، عن  ابن جريج  ، عن  أبي الزبير  ، عن  جابر  ، وإسناده حسن ليس فيه إلا ما يخشى من التدليس . 
ورواه  الدارقطني   والحاكم  من حديث موسى بن سلمة  ، عن  ابن عباس  ، قال : قال : { سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ماء البحر ؟ فقال : ماء البحر طهور   }" ورواته ثقات ، لكن صحح  الدارقطني  وقفه ، ورواه  ابن ماجه  من حديث  يحيى بن بكير  ، عن  الليث  ، عن  جعفر بن ربيعة  ، عن مسلم بن مخشي  ، { عن ابن الفراسي  ، قال : كنت أصيد وكانت لي قربة أجعل فيها ماء ، وإني توضأت بماء البحر ، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : هو الطهور ماؤه ، الحل ميتته   }قال الترمذي  سألت محمدا  عنه ، فقال : هذا مرسل ، لم يدرك ابن الفراسي  النبي صلى الله عليه وسلم ، والفراسي  له صحبة ، قلت : فعلى هذا كأنه سقط من الرواية : عن أبيه ، أو أن قوله : " ابن " زيادة ، فقد ذكر  البخاري  أن مسلم بن مخشي  لم يدرك الفراسي  نفسه ، وإنما يروي عن ابنه ، وأن الابن ليست له صحبة . 
وقد رواه  [ ص: 12 ]  البيهقي  من طريق شيخ شيخ  ابن ماجه  ،  يحيى بن بكير  ، عن  الليث  ، عن  جعفر بن ربيعة  ، عن مسلم بن مخشى  أنه حدثه أن ابن الفراسي  قال : كنت أصيد ، فهذا السياق مجود ، وهو على رأي  البخاري  مرسل ، وروى  الدارقطني   والحاكم  من حديث  عمرو بن شعيب  عن أبيه عن جده ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { ميتة البحر حلال ، وماؤه طهور   }. وهو من طريق المثنى  ، عن عمرو  ، والمثنى  ضعيف ، ووقع في رواية  الحاكم    : الأوزاعي  بدل المثنى  ، وهو غير محفوظ ، ورواه  الدارقطني   والحاكم  من حديث  علي بن أبي طالب  من طريق أهل البيت ، وفي إسناده من لا يعرف . 
وروى  الدارقطني  من طريق عمرو بن دينار  ، عن عبد الرحمن بن أبي هريرة  ، أنه سأل  ابن عمر  ، آكل ما طفا على الماء ؟ قال : إن طافيه ميتته . وقال النبي صلى الله عليه وسلم : { إن ماءه طهور ، وميتته حل   }. ورواه  الدارقطني  من حديث  أبي بكر الصديق    . وفي إسناده عبد العزيز بن أبي ثابت  وهو ضعيف ، وصحح  الدارقطني  وقفه ، وكذا  ابن حبان  في الضعفاء . 
تنبيه : وقع في بعض الطرق التي ذكرها  الدارقطني  ، أن اسم السائل عبد الله المدلجي  ، وكذا ساقه  ابن بشكوال  بإسناده ، وأورده  الطبراني  فيمن اسمه عبد ، وتبعه أبو موسى  ، فقال : عبد أبو زمعة البلوي  ، الذي يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ماء البحر ، قال ابن منيع    : بلغني أن اسمه عبد  ، وقيل : اسمه عبيد  بالتصغير ، وقال السمعاني  في الأنساب : اسمه العركي ، وغلط في ذلك ، وإنما العركي وصف له ،  [ ص: 13 ] وهو ملاح السفينة ، قال أبو موسى    : وأورده ابن منده  فيمن اسمه عركي ، والعركي هو الملاح ، وليس هو اسما ، والله أعلم ، وقال الحميدي    : قال  الشافعي    : هذا الحديث نصف علم الطهارة . 
				
						
						
