الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير

الدسوقي - محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي

صفحة جزء
( ولزم ) الإقرار ( إن نوكر في ) قوله لك علي ( ألف من ثمن خمر ) ونحوه مما لا يصح بيعه فقال المدعي ، بل من ثمن عبد مثلا ; لأنه لما أقر بالألف أقر بعمارة ذمته فتلزمه الألف ويحلف المقر له أنها ليست من ثمن خمر فإن نكل لم يلزم الإقرار كما إذا لم يناكر ( أو ) قال علي ألف من ثمن ( عبد ولم أقبضه ) منك وقال البائع ، بل قبضته مني فيلزمه المقر به ويعد قوله ولم أقبضه ندما ( كدعواه الربا ) بعد إقراره بأن قال علي ألف من ربا وقال المدعى ، بل من بيع ( وأقام ) المقر ( بينة ) تشهد له ( أنه ) أي إن المقر له ( راباه ) أي رابى المقر ( في ألف ) فيلزمه الألف ولا تنفعه البينة لاحتمال أنه راباه في غير هذه المعاملة ( لا إن أقامها على إقرار المدعي ) أي المقر له ( أنه لم يقع بينهما إلا الربا ) فلا يلزمه القدر الزائد على رأس المال [ ص: 404 ] ( أو ) قال في إقراره ( أشتريت ) منك ( خمرا بألف ) فلا يلزمه شيء ; لأنه لم يقر بشيء في ذمته ( أو ) قال ( اشتريت ) منك ( عبدا بألف ولم أقبضه ) فلا يلزمه شيء ; لأن الشراء لا يوجب عمارة الذمة إلا بالقبض ولم يقر به وفيه بحث ; لأن الضمان من المشتري بمجرد العقد فلا يعتبر القبض إلا أن يفرض في عبد غائب ليكون الضمان فيه من البائع فتأمله ( أو )قال لمن ادعى عليه بأنه أقر بشيء ( أقررت بكذا ، وأنا صبي ) وقاله نسقا لم يلزمه شيء حتى يثبت عليه أنه أقر له به ، وهو بالغ ( كأنا مبرسم ) أي قال أقررت لك به ، وأنا مبرسم لم يلزمه ( إن علم تقدمه ) أي البرسام له ، وهو ضرب من الجنون ( أو أقر اعتذارا ) لمن سأله إعارته ، أو شراءه وكان السائل ممن يعتذر له ككونه ذا وجاهة فلا يلزمه دفعه للمقر له إن ادعاه إلا ببينة تشهد له به ( أو ) أقر ( بقرض شكرا ) كقوله جزى الله فلانا خيرا أقرضني مائة وقضيتها له ( على الأصح ) قال ابن غازي في بعض النسخ ، أو بقرض شكرا ، أو ذما على الأرجح ، وهو الصواب أي ; لأن مسألة الشكر في المدونة ولا خلاف فيها ، وإنما الخلاف في مسألة الذم وصوب ابن يونس منه عدم لزوم الإقرار وعلى هذه النسخة لو قال المصنف كالذم على الأرجح لجرى على قاعدته الأكثرية .

التالي السابق


( قوله إن نوكر ) أي المقر ( قوله فقال للمدعي ، بل من ثمن عبد ) أي منكرا أنها من ثمن خمر ( قوله أقر بعمارة ذمته ) أي فيعد قوله بعد ذلك من ثمن خمر ندما وظاهر كلام المصنف أنه لا يراعى حال المقر من كونه يتعاطى الخمر أم لا بحيث يقال إن كان يتعاطى الخمر صدق ولا يلزمه الإقرار ، وإن كان لا يتعاطاه فلا يصدق ، بل متى نوكر لزم الإقرار ولا يصدق في دعواه أنها من ثمن خمر مطلقا .

( قوله ويحلف المقر له ) أي إذا ناكر سواء كان مسلما ، أو ذميا أنها ليست ثمن خمر ويأخذ الألف ( قوله فإن نكل لم يلزم الإقرار ) هذا إذا كان المقر له مسلما فإن كان ذميا كان له قيمة الخمر ( قوله كما إذا لم يناكر ) أي كما لا يلزم الإقرار إذا لم يناكر المقر له المقر ، بل صدقه ، وهذا إذا كان المقر له مسلما فإن كان ذميا كان له قيمة الخمر مثل ما إذا ناكر ونكل عن اليمين ( قوله ويعد قوله ولم أقبضه ندما ) إن قيل قد تقدم أنهما إذا اختلفا في قبض المثمن فالأصل بقاؤه وحينئذ فلا يكون قوله ولم أقبضه ندما قلت إن الإقرار بالثمن في ذمته كالأشهاد به في ذمته وقد سبق للمصنف ، وإشهاد المشتري بالثمن مقتض لقبض مثمنه ( قوله كدعواه الربا ) تشبيه في لزوم الإقرار وحاصله أنه إذا ادعى عليه بألف فأقر بها وقال عقب إقراره هي من ربا ، وأقام بينة على أن المدعي راباه في ألف فلا تفيده تلك البينة شيئا ويلزمه الألف التي أقر بها ( قوله ولا تنفعه البينة ) أي لعدم تعيينها المال إلخ ( قوله فلا يلزمه القدر الزائد على رأس المال ) أي ويلزمه رأس المال فقط أختلفا في قدره ولا بينة لواحد منهما كان القول قول المقر ; لأنه غارم .

[ ص: 404 ] قوله ، أو قال اشتريت منك خمرا بألف ) أي ، أو قال لمن طلب منه حقا عليه اشتريت منك خمرا بألف ، أو عبدا ولم أقبضه ( قوله وفيه بحث ) هذا البحث للمصنف في التوضيح وحاصله أن قولهم في التعليل الشراء لا يوجب عمارة الذمة إلا بالقبض ممنوع ; لأن الضمان من المشتري بمجرد العقد وحينئذ فذمته تتعمر بمجرد العقد ولا تتوقف عمارتها على القبض ( قوله ، أو قال أقررت بكذا ، وأنا صبي ) أي ، أو نائم فلا يلزمه شيء حيث قاله نسقا ولم تكذبه البينة وكذا إذا قال أقررت بكذا قبل أن أحلف حيث قاله نسقا ; لأن هذا خارج مخرج الاستهزاء فلو قال أقررت بألف ولم أدر أكنت صبيا ، أو بالغا لم يلزمه شيء حتى يثبت أنه بالغ ; لأن الأصل عدم البلوغ بخلاف ما لو قال لا أدري أكنت عاقلا أم لا فيلزمه ; لأن الأصل العقل حتى يثبت انتفاؤه هذا ما استظهره ح ( قوله ، أو أقر ) أي بأن الكتاب لفلان اعتذارا لمن سأله إعارته ، أو شراءه ( قوله وكان السائل ممن يعتذر له ككونه ذا وجاهة ) أي يستحيا منه ، أو يخاف منه وحاصل ما ذكره الشارح أنه إذا أقر اعتذارا فإن المقر له لا يأخذه إلا ببينة تشهد له بملكه قبل الإقرار بشرط أن يكون السائل ممن يعتذر له فإن كان ممن لا يعتذر له لرذالته فإن المقر له يأخذه بغير بينة وقد تبع الشارح في هذا القيد الشيخ أحمد الزرقاني واعترضه طفى بأن الذي في السماع وابن رشد الإطلاق فمتى أقر اعتذارا فلا يأخذه المقر له إلا ببينة كان السائل ممن يعتذر له أم لا ولا يتوقف ذلك على ثبوت الاعتذار فلا يلزمه ، وإن لم يدعه بأن مات كما يفيده نقل المواق ا هـ .

بن قال عج وقد يقول الرجل للسلطان هذه الأمة ولدت مني ، وهذا العبد مدبر لئلا يأخذهما فلا يلزمه ولا شهادة فيه ومثله ما يقول الإنسان حماية كأن يقول صاحب سفينة ، أو فرس عند إرادة ذي شوكة أخذها أنها لفلان ويريد شخصا يحمي ما ينسب إليه فإنه لا يكون إقرارا له ( قوله ، أو ذما ) أي مثل قبح الله فلانا أقرضني مائة وضيق علي حتى وفيته ، أو أقرضني فلان مائة وضيق علي حتى قضيته لا جزاه الله عني خيرا ( قوله وصوب ابن يونس منه ) أي من الخلاف عدم لزوم الإقرار أي خلافا لمن قال إن قوله في الذم حتى قضيته يعد ندما ويلزمه الإقرار ( قوله لجرى على قاعدته الأكثرية ) أي من رجوع القيد لما بعد الكاف فإن أقر بقرض لا على وجه الشكر ولا على وجه الذم ففيه تفصيل بين القرب ، والبعد فإن أقر أنه كان تسلف من فلان الميت مالا وقضاه إياه فإن لم يطل الزمان من يوم المعاملة ليوم الموت لم ينفعه قوله قضيته إلا أن تقوم له بينة ، وإن كان زمان ذلك طويلا حلف المقر وبرئ .




الخدمات العلمية