باب الحكم بين أهل الكتاب
قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=42فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم ظاهر ذلك يقتضي معنيين :
أحدهما : تخليتهم وأحكامهم من غير اعتراض عليهم ، والثاني : التخيير بين الحكم والإعراض إذا ارتفعوا إلينا . وقد اختلف
السلف في بقاء هذا الحكم ، فقال قائلون منهم : " إذا ارتفعوا إلينا فإن شاء الحاكم حكم بينهم وإن شاء أعرض عنهم وردهم إلى دينهم " . وقال آخرون : " التخيير منسوخ ، فمتى ارتفعوا إلينا حكمنا بينهم من غير تخيير " . فممن أخذ بالتخيير عند مجيئهم إلينا
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي nindex.php?page=showalam&ids=12354وإبراهيم رواية ؛ وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن : " خلوا بين
أهل الكتاب وبين حاكمهم ، وإذا ارتفعوا إليكم فأقيموا عليهم ما في كتابكم " .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=16006سفيان بن حسين عن
الحكم عن
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : " آيتان نسختا من سورة المائدة : آية القلائد ، وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=42فاحكم بينهم أو أعرض عنهم فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مخيرا إن شاء حكم بينهم أو أعرض عنهم فردهم إلى أحكامهم ، حتى نزلت :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=49وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحكم بينهم بما أنزل الله في كتابه " .
وروى
عثمان بن عطاء الخراساني عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=42فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم قال : نسخها قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=49وأن احكم بينهم بما أنزل الله وروى
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير عن
الحكم عن
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=42فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم قال : نسختها :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=49وأن احكم بينهم بما أنزل الله وروى
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16584عكرمة مثله قال
nindex.php?page=showalam&ids=11943أبو بكر : فذكر هؤلاء أن قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=49وأن احكم بينهم بما أنزل الله ناسخ للتخيير المذكور في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=42فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم ومعلوم أن ذلك لا يقال من طريق الرأي لأن العلم بتواريخ نزول الآي لا يدرك من طريق الرأي
[ ص: 88 ] والاجتهاد ، وإنما طريقه التوقيف ولم يقل من أثبت التخيير إن آية التخيير نزلت بعد قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=49وأن احكم بينهم بما أنزل الله وإن التخيير نسخه .
وإنما حكي عنهم مذاهبهم في التخيير من غير ذكر النسخ ، فثبت نسخ التخيير بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=49وأن احكم بينهم بما أنزل الله كرواية من ذكر نسخ التخيير . ويدل على نسخ التخيير قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=44ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون الآيات ، ومن أعرض عنهم فلم يحكم في تلك الحادثة التي اختصموا فيها بما أنزل الله .
ولا نعلم أحدا قال إن في هذه الآيات :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=44ومن لم يحكم بما أنزل الله منسوخا إلا ما يروى عن
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد رواه
منصور عن
الحكم عن
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد أن قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=44ومن لم يحكم بما أنزل الله نسخها ما قبلها :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=42فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وقد روى
nindex.php?page=showalam&ids=16006سفيان بن حسين عن
الحكم عن
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد أن قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=42فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم منسوخ بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=49وأن احكم بينهم بما أنزل الله ويحتمل أن يكون قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=42فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم قبل أن تعقد لهم الذمة يدخلوا تحت أحكام الإسلام بالجزية فلما أمر الله بأخذ الجزية منهم وجرت عليهم أحكام الإسلام أمر بالحكم بينهم بما أنزل الله فيكون حكم الآيتين جميعا ثابتا : التخيير في أهل العهد الذين لا ذمة لهم ولم يجر عليهم أحكام المسلمين كأهل الحرب إذا هادناهم وإيجاب
nindex.php?page=treesubj&link=25567_8745_26215الحكم بما أنزل الله في أهل الذمة الذين يجري عليهم أحكام المسلمين .
وقد روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ما يدل على ذلك ؛ روى
nindex.php?page=showalam&ids=12563محمد بن إسحاق عن
nindex.php?page=showalam&ids=15855داود بن الحصين عن
nindex.php?page=showalam&ids=16584عكرمة عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أن الآية التي في المائدة قول الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=42فاحكم بينهم أو أعرض عنهم إنما نزلت في الدية بين
بني قريظة وبين
بني النضير ، وذلك أن
بني النضير كان لهم شرف يدون دية كاملة ، وأن
بني قريظة يودون نصف الدية ؛ فتحاكموا في ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله ذلك فيهم ، فحملهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحق في ذلك فجعل الدية سواء . ومعلوم أن
بني قريظة والنضير لم تكن لهم ذمة قط ، وقد أجلى النبي صلى الله عليه وسلم
بني النضير وقتل
بني قريظة ، ولو كان لهم ذمة لما أجلاهم ولا قتلهم ، وإنما كان بينه وبينهم عهد وهدنة فنقضوها . فأخبر
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أن آية التخيير نزلت فيهم ، فجائز أن يكون حكمها باقيا في أهل الحرب من أهل العهد ، وحكم الآية الأخرى في وجوب الحكم بينهم بما أنزل الله تعالى ثابتا في
أهل الذمة فلا يكون فيها نسخ . وهذا تأويل سائغ لولا ما روي عن
السلف من نسخ التخيير بالآية الأخرى .
وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رواية أخرى وعن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري : أنها نزلت في شأن
[ ص: 89 ] الرجم حين تحاكموا إليه وهؤلاء أيضا لم يكونوا أهل ذمة ، وإنما تحاكموا إليه طلبا للرخصة وزوال الرجم ، فصار النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت مدراسهم ووقفهم على آية الرجم وعلى كذبهم وتحريفهم كتاب الله ، ثم رجم اليهوديين وقال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=698760اللهم إني أول من أحيا سنة أماتوها .
وقال أصحابنا
أهل الذمة محمولون في البيوع والمواريث وسائر العقود على أحكام الإسلام كالمسلمين ، إلا في بيع الخمر والخنزير ، فإن ذلك جائز فيما بينهم لأنهم مقرون على أن تكون مالا لهم ، ولو لم يجز مبايعتهم وتصرفهم فيها والانتفاع بها لخرجت من أن تكون مالا لهم ولما وجب على مستهلكها عليهم ضمان " . ولا نعلم خلافا بين الفقهاء
nindex.php?page=treesubj&link=8736فيمن استهلك لذمي خمرا أن عليه قيمتها . وقد روي أنهم كانوا يأخذون الخمر من
أهل الذمة في العشور ، فكتب إليهم
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر " أن ولوهم بيعها وخذوا العشر من أثمانها " فهذان مال لهم يجوز تصرفهم فيهما ، وما عدا ذلك فهو محمول على أحكامنا لقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=49وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كتب إلى أهل
نجران :
إما أن تذروا الربا وإما أن تأذنوا بحرب من الله ورسوله فجعلهم النبي صلى الله عليه وسلم في حظر الربا ومنعهم منه كالمسلمين ، قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=161وأخذهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل فأخبر أنهم منهيون عن الربا وأكل المال بالباطل ، كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=29يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم فسوى بينهم وبين المسلمين في المنع من الربا والعقود الفاسدة المحظورة ، وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=42سماعون للكذب أكالون للسحت فهذا الذي ذكرناه مذهب أصحابنا في عقود المعاملات والتجارات وحدود
أهل الذمة والمسلمون فيها سواء ، إلا أنهم لا يرجمون لأنهم غير محصنين .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك : " الحاكم مخير إذا اختصموا إليه بين أن يحكم بينهم بحكم الإسلام أو يعرض عنهم فلا يحكم بينهم " وكذلك قوله في العقود والمواريث وغيرها . واختلف أصحابنا في مناكحتهم فيما بينهم ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة هم مقرون على أحكامهم لا يعترض عليهم فيها إلا أن يرضوا بأحكامنا ، فإن رضي بها الزوجان حملا على أحكامنا ، وإن أبى أحدهما لم يعترض عليهم ، فإذا تراضيا جميعا حملهما على أحكام الإسلام إلا في النكاح بغير شهود والنكاح في العدة فإنه لا يفرق بينهم ، وكذلك إن أسلموا " . وقال
محمد : " إذا رضي أحدهما حملا جميعا على أحكامنا وإن أبى الآخر ، إلا في النكاح بغير شهود خاصة " . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبو يوسف : " يحملون على أحكامنا وإن أبوا إلا في
[ ص: 90 ] النكاح بغير شهود نجيزه إذا تراضوا بها " . فأما
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة فإنه يذهب في إقرارهم على مناكحاتهم ، إلى أنه قد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من
مجوس هجر مع علمه بأنهم يستحلون
nindex.php?page=treesubj&link=10974_10978_10974_10974_10979نكاح ذوات المحرم ومع علمه بذلك لم يأمر بالتفرقة بينهما ؛ وكذلك
اليهود والنصارى يستحلون كثيرا من عقود المناكحات المحرمة ولم يأمر بالتفرقة بينهم حين عقد لهم الذمة من أهل
نجران ووادي القرى وسائر
اليهود والنصارى الذين دخلوا في الذمة ورضوا بإعطاء الجزية .
وفي ذلك دليل على أنه أقرهم على مناكحاتهم كما أقرهم على مذاهبهم الفاسدة واعتقاداتهم التي هي ضلال وباطل ، ألا ترى أنه لما علم استحلالهم للربا كتب إلى أهل
نجران :
إما أن تذروا الربا ، وإما أن تأذنوا بحرب من الله ورسوله . فلم يقرهم عليه حين علم تبايعهم به . وأيضا قد علمنا أن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب لما فتح
السواد أقر أهلها عليها وكانوا
مجوسا ، ولم يثبت أنه أمر بالتفريق بين ذوي المحارم منهم مع علمه بمناكحاتهم .
وكذلك سائر الأمة بعده جروا على منهاجه في ترك الاعتراض عليهم ؛ وفي ذلك دليل على صحة ما ذكرنا .
فإن قيل فقد روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر أنه كتب إلى
سعد يأمره بالتفريق بين ذوي المحارم منهم وأن يمنعهم من المذهب فيه . قيل له : لو كان هذا ثابتا لورد النقل به متواترا كوروده في سيرته فيهم في أخذ الجزية ووضع الخراج وسائر ما عاملهم به ، فلما لم يرد ذلك من جهة التواتر علمنا أنه غير ثابت . ويحتمل أن يكون كتابه إلى
سعد بذلك إنما كان فيمن رضي منهم بأحكامنا ؛ وكذلك نقول إذا تراضوا بأحكامنا . وأيضا قد بينا أن قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=49وأن احكم بينهم بما أنزل الله ناسخ للتخيير المذكور في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=42فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم والذي ثبت نسخه من ذلك هو التخيير ، فأما شرط المجيء منهم فلم تقم الدلالة على نسخه ، فينبغي أن يكون حكم الشرط باقيا والتخيير منسوخا ، فيكون تقديره مع الآية الأخرى : (فإن جاءوك فاحكم بما أنزل) وإنما قال : " إنهم يحملون على أحكامنا إذا رضوا بها إلا في النكاح بغير شهود والنكاح في العدة " من قبل أنه لما ثبت أنه ليس لنا اعتراض عليهم قبل التراضي منهم بأحكامنا ، فمتى تراضوا بها وارتفعوا إلينا فإنما الواجب إجراؤهم على أحكامنا في المستقبل ، ومعلوم أن العدة لا تمنع بقاء النكاح في المستقبل وإنما تمنع الابتداء لأن امرأة تحت زوج لو طرأت عليها عدة من وطء بشبهة لم يمنع ما وجب من العدة بقاء الحكم ، فثبت أن العدة إنما تمنع ابتداء العقد ولا تمنع البقاء ؛ فمن أجل ذلك لم يفرق بينهما .
[ ص: 91 ] ومن جهة أخرى أن العدة حق الله تعالى وهم غير مؤاخذين بحقوق الله تعالى في أحكام الشريعة ، فإذا لم تكن عندهم عدة واجبة لم تكن عليها عدة ، فجاز نكاحها الثاني . وليس كذلك
nindex.php?page=treesubj&link=10974_10978_10974_10974_10979نكاح ذوات المحارم ؛ إذ لا يختلف فيها حكم الابتداء والبقاء في باب بطلانه ، وأما
nindex.php?page=treesubj&link=11233النكاح بغير شهود فإن الذي هو شرط في صحة العقد وجود الشهود في حال العقد ، ولا يحتاج في بقائه إلى استصحاب الشهود ؛ لأن الشهود لو ارتدوا بعد ذلك أو ماتوا لم يؤثر ذلك في العقد ؛ فإذا كان إنما يحتاج إلى الشهود للابتداء لا للبقاء لم يجز أن يمنع البقاء في المستقبل لأجل عدم الشهود . ومن جهة أخرى أن النكاح بغير شهود مختلف فيه بين الفقهاء ، فمنهم من يجيزه ، والاجتهاد سائغ في جوازه ، ولا يعترض على المسلمين إذا عقدوه ما لم يختصموا فيه ، فغير جائز فسخه إذا عقدوه في حال الكفر ؛ إذ كان ذلك سائغا جائزا في وقت وقوعه ، لو أمضاه حاكم ما بين المسلمين جاز ولم يجز بعد ذلك فسخه وإنما اعتبر
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة تراضيهما جميعا بأحكامنا من قبل قول الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=42فإن جاءوك فاحكم بينهم فشرط مجيئهم ، فلم يجز الحكم على أحدهما بمجيء الآخر .
فإن قال قائل : إذا رضي أحدهما بأحكامنا فقد لزمه حكم الإسلام فيصير بمنزلته لو أسلم فيحمل الآخر معه على حكم الإسلام .
قيل له : هذا غلط ؛ لأن رضاه بأحكامنا لا يلزمه ذلك إيجابا ، ألا ترى أنه لو رجع عن الرضا قبل الحكم عليه لم يلزمه إياه وبعد الإسلام يمكنه الرضا بأحكامنا ؟ وأيضا إذا لم يجز أن يعترض عليهم إلا بعد الرضا بحكمنا فمن لم يرض به مبقى على حكمه لا يجوز إلزامه حكما لأجل رضا غيره . وذهب
محمد إلى أن رضا أحدهما يلزم الآخر حكم الإسلام كما لو أسلم . وذهب
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبو يوسف إلى ظاهر قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=49وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=43وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله يعني : الله أعلم فيما تحاكموا إليك فيه ؛ فقيل : إنهم تحاكموا إليه في حد الزانيين ، وقيل : في الدية بين
بني قريظة وبني النضير ؛ فأخبر تعالى أنهم لم يتحاكموا إليه تصديقا منهم بنبوته ، وإنما طلبوا الرخصة ؛ ولذلك قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=43وما أولئك بالمؤمنين يعني هم غير مؤمنين بحكمك أنه من عند الله مع جحدهم بنبوتك وعدولهم عما يعتقدونه حكما لله مما في التوراة . ويحتمل أنهم حين طلبوا غير حكم الله ولم يرضوا به فهم كافرون غير مؤمنين . وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=43وعندهم التوراة فيها حكم الله يدل على أن حكم التوراة فيما اختصموا فيه لم يكن منسوخا ، وأنه
[ ص: 92 ] صار بمبعث النبي صلى الله عليه وسلم شريعة لنا لم ينسخ ؛ لأنه لو نسخ لم يطلق عليه بعد النسخ أنه حكم الله ، كما لا يطلق أن حكم الله تحليل الخمر أو تحريم السبت .
وهذا يدل على أن شرائع من قبلنا من الأنبياء لازمة لنا ما لم تنسخ ، وأنها حكم الله بعد مبعث النبي صلى الله عليه وسلم . وقد روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=43فيها حكم الله بالرجم ؛ لأنهم اختصموا إليه في حد الزنا . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة : فيها حكم الله بالقود لأنهم اختصموا في ذلك . وجائز أن يكونوا تحاكموا إليه فيهما جميعا من الرجم والقود . قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=44إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة nindex.php?page=showalam&ids=16584وعكرمة nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي ، أن النبي صلى الله عليه وسلم مراد بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=44يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا قال
nindex.php?page=showalam&ids=11943أبو بكر : وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم حكم على الزانيين منهم بالرجم وقال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=698760اللهم إني أول من أحيا سنة أماتوها وكان ذلك في حكم التوراة ؛ وحكم فيه بتساوي الديات وكان ذلك أيضا حكم التوراة ؛ وهذا يدل على أنه حكم عليهم بحكم التوراة لا بحكم مبتدأ شريعة . وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=44وكانوا عليه شهداء قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : " شهداء على حكم النبي صلى الله عليه وسلم أنه في التوراة " . وقال غيره : " شهداء على ذلك الحكم أنه من عند الله " .
وقال عز وجل :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=44فلا تخشوا الناس واخشون قال فيه
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : لا تخشوهم في كتمان ما أنزلت " . وحدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13433عبد الباقي بن قانع قال : حدثنا
الحارث بن أبي أسامة : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12074أبو عبيد القاسم بن سلام : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16349عبد الرحمن بن مهدي عن
nindex.php?page=showalam&ids=15744حماد بن سلمة عن
حميد عن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن قال : " إن الله تعالى أخذ على الحكام ثلاثا : أن لا يتبعوا الهوى ، وأن يخشوه ولا يخشوا الناس ، وأن لا يشتروا بآياته ثمنا قليلا " . ثم قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=26يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى الآية ، وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=44إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا إلى قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=44فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون فتضمنت هذه الآية معان : منها الإخبار بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد حكم على
اليهود بحكم التوراة .
ومنها : أن
nindex.php?page=treesubj&link=27262_26215_8745حكم التوراة كان باقيا في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن مبعث النبي صلى الله عليه وسلم لم يوجب نسخه ؛ ودل ذلك على أن ذلك الحكم كان ثابتا لم ينسخ بشريعة الرسول صلى الله عليه وسلم . ومنها إيجاب الحكم بما أنزل الله تعالى وأن لا يعدل عنه ولا يحابي فيه مخافة الناس . ومنها : تحريم أخذ الرشا في الأحكام ، وهو قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=44ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا [ ص: 93 ] وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=44ومن لم يحكم بما أنزل الله قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : " هو في الجاحد لحكم الله " . وقيل : " هي في
اليهود خاصة " . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن nindex.php?page=showalam&ids=12354وإبراهيم : " هي عامة " يعني فيمن لم يحكم بما أنزل الله وحكم بغيره مخبرا أنه حكم الله تعالى ، ومن فعل هذا فقد كفر فمن جعلها في قوم خاصة وهم
اليهود ، لم يجعل " من " بمعنى الشرط ، وجعلها بمعنى الذي لم يحكم بما أنزل الله ، والمراد قوم بأعيانهم . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=48البراء بن عازب ، وذكر قصة رجم
اليهود فأنزل الله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=41يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر الآيات ، إلى قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=44ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون قال : " في
اليهود خاصة " وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=45فأولئك هم الظالمون و
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=47فأولئك هم الفاسقون " في الكفار كلهم " . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=44ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون نزلت في
اليهود وهي علينا واجبة . وقال
أبو مجلز : " نزلت في
اليهود " . وقال
أبو جعفر : نزلت في
اليهود ثم جرت فينا " .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان عن
nindex.php?page=showalam&ids=15683حبيب بن أبي ثابت عن
nindex.php?page=showalam&ids=11827أبي البختري قال : قيل
nindex.php?page=showalam&ids=21لحذيفة :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=44ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون نزلت في
بني إسرائيل ؟ قال : " نعم ، الإخوة لكم
بنو إسرائيل ، إن كانت لكم كل حلوة ولهم كل مرة ، ولتسلكن طريقهم قد الشراك " . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12354إبراهيم النخعي : " نزلت في
بني إسرائيل ورضي لكم بها " .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري عن
زكريا عن
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي قال الأولى للمسلمين والثانية
لليهود والثالثة
للنصارى " . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس : " ليس بكفر ينقل عن الملة " وروى
nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : " ليس الكفر الذي يذهبون إليه في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=44ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون "
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج عن
nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء كفر دون كفر وظلم دون ظلم وفسق دون فسق " . وقال
علي بن حسين رضي الله عنهما : " ليس بكفر شرك ولا ظلم شرك ولا فسق شرك " . قال
nindex.php?page=showalam&ids=11943أبو بكر : قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=44ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون لا يخلو من أن يكون مراده كفر الشرك والجحود أو كفر النعمة من غير جحود ؛ فإن كان المراد
nindex.php?page=treesubj&link=10014_23640جحود حكم الله أو الحكم بغيره مع الإخبار بأنه حكم الله ، فهذا كفر يخرج عن الملة وفاعله مرتد إن كان قبل ذلك مسلما ؛ وعلى هذا تأوله من قال : " إنها نزلت في
بني إسرائيل وجرت فينا " يعنون أن من جحد منا حكم الله أو حكم بغير حكم الله ثم قال إن هذا حكم الله ، فهو كافر كما كفرت
بنو إسرائيل حين فعلوا ذلك ، وإن كان المراد به كفر النعمة فإن كفران النعمة قد يكون بترك الشكر عليها من غير جحود ، فلا يكون فاعله خارجا من الملة ؛ والأظهر هو المعنى الأول لإطلاقه اسم الكفر على من لم يحكم بما أنزل الله .
[ ص: 94 ] وقد تأولت
الخوارج هذه الآية على تكفير من ترك الحكم بما أنزل الله من غير جحود لها ، وأكفروا بذلك كل من عصى الله بكبيرة أو صغيرة ، فأداهم ذلك إلى الكفر والضلال بتكفيرهم الأنبياء بصغائر ذنوبهم .
بَابُ اَلْحُكْمِ بَيْنَ أَهْلِ اَلْكِتَابِ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=42فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ ظَاهِرُ ذَلِكَ يَقْتَضِي مَعْنَيَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : تَخْلِيَتُهُمْ وَأَحْكَامُهُمْ مِنْ غَيْرِ اعْتِرَاضٍ عَلَيْهِمْ ، وَالثَّانِي : التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْحُكْمِ وَالْإِعْرَاضِ إِذَا ارْتَفَعُوا إِلَيْنَا . وَقَدِ اخْتَلَفَ
السَّلَفُ فِي بَقَاءِ هَذَا الْحُكْمِ ، فَقَالَ قَائِلُونَ مِنْهُمْ : " إِذَا ارْتَفَعُوا إِلَيْنَا فَإِنْ شَاءَ الْحَاكِمُ حَكَمَ بَيْنَهُمْ وَإِنْ شَاءَ أَعْرَضَ عَنْهُمْ وَرَدَّهُمْ إِلَى دِينِهِمْ " . وَقَالَ آخَرُونَ : " التَّخْيِيرُ مَنْسُوخٌ ، فَمَتَى ارْتَفَعُوا إِلَيْنَا حَكَمْنَا بَيْنَهُمْ مِنْ غَيْرِ تَخْيِيرٍ " . فَمِمَّنْ أَخَذَ بِالتَّخْيِيرِ عِنْدَ مَجِيئِهِمْ إِلَيْنَا
nindex.php?page=showalam&ids=14102الْحَسَنُ nindex.php?page=showalam&ids=14577وَالشَّعْبِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=12354وَإِبْرَاهِيمُ رِوَايَةً ؛ وَرُوِيَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الْحَسَنِ : " خَلُّوا بَيْنَ
أَهْلِ الْكِتَابِ وَبَيْنَ حَاكِمِهِمْ ، وَإِذَا ارْتَفَعُوا إِلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا عَلَيْهِمْ مَا فِي كِتَابِكُمْ " .
وَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=16006سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ عَنِ
الْحَكَمِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16879مُجَاهِدٍ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : " آيَتَانِ نُسِخَتَا مِنْ سُورَةِ الْمَائِدَةِ : آيَةُ الْقَلَائِدِ ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=42فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُخَيَّرًا إِنْ شَاءَ حَكَمَ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرَضَ عَنْهُمْ فَرَدَّهُمْ إِلَى أَحْكَامِهِمْ ، حَتَّى نَزَلَتْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=49وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ فَأُمِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ " .
وَرَوَى
عُثْمَانُ بْنُ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيُّ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=42فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ قَالَ : نَسَخَهَا قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=49وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=15992سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ
الْحَكَمِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16879مُجَاهِدٍ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=42فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ قَالَ : نَسَخَتْهَا :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=49وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=16004سُفْيَانُ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيِّ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16584عِكْرِمَةَ مِثْلَهُ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11943أَبُو بَكْرٍ : فَذَكَرَ هَؤُلَاءِ أَنَّ قَوْلَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=49وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ نَاسِخٌ لِلتَّخْيِيرِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=42فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَمَعْلُومٌ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُقَالُ مِنْ طَرِيقِ الرَّأْيِ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِتَوَارِيخِ نُزُولِ الْآيِ لَا يُدْرَكُ مِنْ طَرِيقِ الرَّأْيِ
[ ص: 88 ] وَالِاجْتِهَادِ ، وَإِنَّمَا طَرِيقُهُ التَّوْقِيفُ وَلَمْ يَقُلْ مَنْ أَثْبَتَ التَّخْيِيرَ إِنَّ آيَةَ التَّخْيِيرِ نَزَلَتْ بَعْدَ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=49وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِنَّ التَّخْيِيرَ نَسَخَهُ .
وَإِنَّمَا حُكِيَ عَنْهُمْ مَذَاهِبُهُمْ فِي التَّخْيِيرِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ النَّسْخِ ، فَثَبَتَ نَسْخُ التَّخْيِيرِ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=49وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ كَرِوَايَةِ مَنْ ذَكَرَ نَسْخَ التَّخْيِيرِ . وَيَدُلُّ عَلَى نَسْخِ التَّخْيِيرِ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=44وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ الْآيَاتِ ، وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْهُمْ فَلَمْ يَحْكُمْ فِي تِلْكَ الْحَادِثَةِ الَّتِي اخْتَصَمُوا فِيهَا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ .
وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ إِنَّ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=44وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مَنْسُوخًا إِلَّا مَا يُرْوَى عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16879مُجَاهِدٍ رَوَاهُ
مَنْصُورٌ عَنِ
الْحَكَمِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16879مُجَاهِدٍ أَنَّ قَوْلَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=44وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ نَسَخَهَا مَا قَبْلَهَا :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=42فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَقَدْ رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=16006سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ عَنِ
الْحَكَمِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16879مُجَاهِدٍ أَنَّ قَوْلَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=42فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=49وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=42فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ قَبْلَ أَنْ تُعْقَدَ لَهُمُ الذِّمَّةُ يَدْخَلُوا تَحْتَ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ بِالْجِزْيَةِ فَلَمَّا أَمَرَ اللَّهُ بِأَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ وَجَرَتْ عَلَيْهِمْ أَحْكَامُ الْإِسْلَامِ أَمَرَ بِالْحُكْمِ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَيَكُونُ حُكْمُ الْآيَتَيْنِ جَمِيعًا ثَابِتًا : التَّخْيِيرُ فِي أَهْلِ الْعَهْدِ الَّذِينَ لَا ذِمَّةَ لَهُمْ وَلَمْ يَجْرِ عَلَيْهِمْ أَحْكَامُ الْمُسْلِمِينَ كَأَهْلِ الْحَرْبِ إِذَا هَادَنَّاهُمْ وَإِيجَابُ
nindex.php?page=treesubj&link=25567_8745_26215الْحُكْمِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِي أَهْلِ الذِّمَّةِ الَّذِينَ يَجْرِي عَلَيْهِمْ أَحْكَامُ الْمُسْلِمِينَ .
وَقَدْ رُوِيَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ ؛ رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=12563مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=15855دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16584عِكْرِمَةَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْآيَةَ الَّتِي فِي الْمَائِدَةِ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=42فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ إِنَّمَا نَزَلَتْ فِي الدِّيَةِ بَيْنَ
بَنِي قُرَيْظَةَ وَبَيْنَ
بَنِي النَّضِيرِ ، وَذَلِكَ أَنَّ
بَنِي النَّضِيرِ كَانَ لَهُمْ شَرَفٌ يُدَوْنَ دِيَةً كَامِلَةً ، وَأَنَّ
بَنِي قُرَيْظَةَ يُودَوْنَ نِصْفَ الدِّيَةِ ؛ فَتَحَاكَمُوا فِي ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ ذَلِكَ فِيهِمْ ، فَحَمَلَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْحَقِّ فِي ذَلِكَ فَجَعَلَ الدِّيَةَ سَوَاءً . وَمَعْلُومٌ أَنَّ
بَنِي قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ ذِمَّةٌ قَطُّ ، وَقَدْ أَجْلَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بَنِي النَّضِيرِ وَقَتَلَ
بَنِي قُرَيْظَةَ ، وَلَوْ كَانَ لَهُمْ ذِمَّةٌ لَمَا أَجْلَاهُمْ وَلَا قَتَلَهُمْ ، وَإِنَّمَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ عَهْدٌ وَهُدْنَةٌ فَنَقَضُوهَا . فَأَخْبَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ آيَةَ التَّخْيِيرِ نَزَلَتْ فِيهِمْ ، فَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهَا بَاقِيًا فِي أَهْلِ الْحَرْبِ مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ ، وَحُكْمُ الْآيَةِ الْأُخْرَى فِي وُجُوبِ الْحُكْمِ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ثَابِتًا فِي
أَهْلِ الذِّمَّةِ فَلَا يَكُونُ فِيهَا نَسْخٌ . وَهَذَا تَأْوِيلٌ سَائِغٌ لَوْلَا مَا رُوِيَ عَنِ
السَّلَفِ مِنْ نَسْخِ التَّخْيِيرِ بِالْآيَةِ الْأُخْرَى .
وَرُوِيَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ رِوَايَةٌ أُخْرَى وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الْحَسَنِ nindex.php?page=showalam&ids=16879وَمُجَاهِدٍ nindex.php?page=showalam&ids=12300وَالزُّهْرِيِّ : أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي شَأْنِ
[ ص: 89 ] الرَّجْمِ حِينَ تَحَاكَمُوا إِلَيْهِ وَهَؤُلَاءِ أَيْضًا لَمْ يَكُونُوا أَهْلَ ذِمَّةٍ ، وَإِنَّمَا تَحَاكَمُوا إِلَيْهِ طَلَبًا لِلرُّخْصَةِ وَزَوَالِ الرَّجْمِ ، فَصَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَيْتِ مِدْرَاسِهِمْ وَوَقَفَهُمْ عَلَى آيَةِ الرَّجْمِ وَعَلَى كَذِبِهِمْ وَتَحْرِيفِهِمْ كِتَابَ اللَّهِ ، ثُمَّ رَجَمَ الْيَهُودِيَّيْنِ وَقَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=698760اللَّهُمَّ إِنِّي أَوَّلُ مَنْ أَحْيَا سُنَّةً أَمَاتُوهَا .
وَقَالَ أَصْحَابُنَا
أَهْلُ الذِّمَّةِ مَحْمُولُونَ فِي الْبُيُوعِ وَالْمَوَارِيثِ وَسَائِرِ الْعُقُودِ عَلَى أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ كَالْمُسْلِمِينَ ، إِلَّا فِي بَيْعِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ ، فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ فِيمَا بَيْنَهُمْ لِأَنَّهُمْ مُقَرُّونَ عَلَى أَنْ تَكُونَ مَالًا لَهُمْ ، وَلَوْ لَمْ يَجُزْ مُبَايَعَتُهُمْ وَتَصَرُّفُهُمْ فِيهَا وَالِانْتِفَاعُ بِهَا لَخَرَجَتْ مِنْ أَنْ تَكُونَ مَالًا لَهُمْ وَلَمَا وَجَبَ عَلَى مُسْتَهْلِكِهَا عَلَيْهِمْ ضَمَانٌ " . وَلَا نَعْلَمُ خِلَافًا بَيْنَ الْفُقَهَاءِ
nindex.php?page=treesubj&link=8736فِيمَنِ اسْتَهْلَكَ لِذِمِّيٍّ خَمْرًا أَنَّ عَلَيْهِ قِيمَتَهَا . وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَأْخُذُونَ الْخَمْرَ مِنْ
أَهْلِ الذِّمَّةِ فِي الْعُشُورِ ، فَكَتَبَ إِلَيْهِمْ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ " أَنْ وَلُّوهُمْ بَيْعَهَا وَخُذُوا الْعُشْرَ مِنْ أَثْمَانِهَا " فَهَذَانِ مَالٌ لَهُمْ يَجُوزُ تَصَرُّفُهُمْ فِيهِمَا ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَحْكَامِنَا لِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=49وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى أَهْلِ
نَجْرَانَ :
إِمَّا أَنْ تَذَرُوا الرِّبَا وَإِمَّا أَنْ تَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَجَعَلَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَظْرِ الرِّبَا وَمَنَعَهُمْ مِنْهُ كَالْمُسْلِمِينَ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=161وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ فَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ مَنْهِيُّونَ عَنِ الرِّبَا وَأَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=29يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ فَسَوَّى بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمَنْعِ مِنَ الرِّبَا وَالْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ الْمَحْظُورَةِ ، وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=42سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا فِي عُقُودِ الْمُعَامَلَاتِ وَالتِّجَارَاتِ وَحُدُودِ
أَهْلُ الذِّمَّةِ وَالْمُسْلِمُونَ فِيهَا سَوَاءٌ ، إِلَّا أَنَّهُمْ لَا يُرْجَمُونَ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مُحْصَنِينَ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكٌ : " الْحَاكِمُ مُخَيَّرٌ إِذَا اخْتَصَمُوا إِلَيْهِ بَيْنَ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ أَوْ يُعْرِضَ عَنْهُمْ فَلَا يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ " وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الْعُقُودِ وَالْمَوَارِيثِ وَغَيْرِهَا . وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي مُنَاكَحَتِهِمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ ، فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبُو حَنِيفَةَ هُمْ مُقَرُّونَ عَلَى أَحْكَامِهِمْ لَا يُعْتَرَضُ عَلَيْهِمْ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَرْضَوْا بِأَحْكَامِنَا ، فَإِنْ رَضِيَ بِهَا الزَّوْجَانِ حُمِلَا عَلَى أَحْكَامِنَا ، وَإِنْ أَبَى أَحَدُهُمَا لَمْ يُعْتَرَضْ عَلَيْهِمْ ، فَإِذَا تَرَاضَيَا جَمِيعًا حَمَلَهُمَا عَلَى أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ إِلَّا فِي النِّكَاحِ بِغَيْرِ شُهُودٍ وَالنِّكَاحِ فِي الْعِدَّةِ فَإِنَّهُ لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمْ ، وَكَذَلِكَ إِنْ أَسْلَمُوا " . وَقَالَ
مُحَمَّدٌ : " إِذَا رَضِيَ أَحَدُهُمَا حُمِلَا جَمِيعًا عَلَى أَحْكَامِنَا وَإِنْ أَبَى الْآخَرُ ، إِلَّا فِي النِّكَاحِ بِغَيْرِ شُهُودٍ خَاصَّةً " . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14954أَبُو يُوسُفَ : " يُحْمَلُونَ عَلَى أَحْكَامِنَا وَإِنْ أَبَوْا إِلَّا فِي
[ ص: 90 ] النِّكَاحِ بِغَيْرِ شُهُودٍ نُجِيزُهُ إِذَا تَرَاضَوْا بِهَا " . فَأَمَّا
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبُو حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ يَذْهَبُ فِي إِقْرَارِهِمْ عَلَى مُنَاكَحَاتِهِمْ ، إِلَى أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْ
مَجُوسِ هَجَرَ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُمْ يَسْتَحِلُّونَ
nindex.php?page=treesubj&link=10974_10978_10974_10974_10979نِكَاحَ ذَوَاتِ الْمَحْرَمِ وَمَعَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ لَمْ يَأْمُرْ بِالتَّفْرِقَةِ بَيْنَهُمَا ؛ وَكَذَلِكَ
الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى يَسْتَحِلُّونَ كَثِيرًا مِنْ عُقُودِ الْمُنَاكَحَاتِ الْمُحَرَّمَةِ وَلَمْ يَأْمُرْ بِالتَّفْرِقَةِ بَيْنَهُمْ حِينَ عَقَدَ لَهُمُ الذِّمَّةَ مِنْ أَهْلِ
نَجْرَانَ وَوَادِي الْقُرَى وَسَائِرِ
الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى الَّذِينَ دَخَلُوا فِي الذِّمَّةِ وَرَضُوا بِإِعْطَاءِ الْجِزْيَةِ .
وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ أَقَرَّهُمْ عَلَى مُنَاكَحَاتِهِمْ كَمَا أَقَرَّهُمْ عَلَى مَذَاهِبِهِمُ الْفَاسِدَةِ وَاعْتِقَادَاتِهِمُ الَّتِي هِيَ ضَلَالٌ وَبَاطِلٌ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمَّا عَلِمَ اسْتِحْلَالَهُمْ لِلرِّبَا كَتَبَ إِلَى أَهْلِ
نَجْرَانَ :
إِمَّا أَنْ تَذَرُوا الرِّبَا ، وَإِمَّا أَنْ تَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ . فَلَمْ يُقِرَّهُمْ عَلَيْهِ حِينَ عَلِمَ تَبَايُعَهُمْ بِهِ . وَأَيْضًا قَدْ عَلِمْنَا أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ لَمَّا فَتَحَ
السَّوَادَ أَقَرَّ أَهْلَهَا عَلَيْهَا وَكَانُوا
مَجُوسًا ، وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ أَمَرَ بِالتَّفْرِيقِ بَيْنَ ذَوِي الْمَحَارِمِ مِنْهُمْ مَعَ عِلْمِهِ بِمُنَاكَحَاتِهِمْ .
وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْأُمَّةِ بَعْدَهُ جَرَوْا عَلَى مِنْهَاجِهِ فِي تَرْكِ الِاعْتِرَاضِ عَلَيْهِمْ ؛ وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَكَرْنَا .
فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى
سَعْدٍ يَأْمُرُهُ بِالتَّفْرِيقِ بَيْنَ ذَوِي الْمَحَارِمِ مِنْهُمْ وَأَنْ يَمْنَعَهُمْ مِنَ الْمُذْهَبِ فِيهِ . قِيلَ لَهُ : لَوْ كَانَ هَذَا ثَابِتًا لَوَرَدَ النَّقْلُ بِهِ مُتَوَاتِرًا كَوُرُودِهِ فِي سِيرَتِهِ فِيهِمْ فِي أَخْذِ الْجِزْيَةِ وَوَضْعِ الْخَرَاجِ وَسَائِرِ مَا عَامَلَهُمْ بِهِ ، فَلَمَّا لَمْ يُرِدْ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ التَّوَاتُرِ عَلِمْنَا أَنَّهُ غَيْرُ ثَابِتٍ . وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كِتَابُهُ إِلَى
سَعْدٍ بِذَلِكَ إِنَّمَا كَانَ فِيمَنْ رَضِيَ مِنْهُمْ بِأَحْكَامِنَا ؛ وَكَذَلِكَ نَقُولُ إِذَا تَرَاضَوْا بِأَحْكَامِنَا . وَأَيْضًا قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ قَوْلَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=49وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ نَاسِخٌ لِلتَّخْيِيرِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=42فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَاَلَّذِي ثَبَتَ نَسْخُهُ مِنْ ذَلِكَ هُوَ التَّخْيِيرُ ، فَأَمَّا شَرْطُ الْمَجِيءِ مِنْهُمْ فَلَمْ تَقُمُ الدَّلَالَةُ عَلَى نَسْخِهِ ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حُكْمُ الشَّرْطِ بَاقِيًا وَالتَّخْيِيرُ مَنْسُوخًا ، فَيَكُونَ تَقْدِيرُهُ مَعَ الْآيَةِ الْأُخْرَى : (فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بما أنزل) وَإِنَّمَا قَالَ : " إِنَّهُمْ يُحْمَلُونَ عَلَى أَحْكَامِنَا إِذَا رَضُوا بِهَا إِلَّا فِي النِّكَاحِ بِغَيْرِ شُهُودٍ وَالنِّكَاحِ فِي الْعِدَّةِ " مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ أَنَّهُ لَيْسَ لَنَا اعْتِرَاضٌ عَلَيْهِمْ قَبْلَ التَّرَاضِي مِنْهُمْ بِأَحْكَامِنَا ، فَمَتَى تَرَاضَوْا بِهَا وَارْتَفَعُوا إِلَيْنَا فَإِنَّمَا الْوَاجِبُ إِجْرَاؤُهُمْ عَلَى أَحْكَامِنَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْعِدَّةَ لَا تَمْنَعُ بَقَاءَ النِّكَاحِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَإِنَّمَا تَمْنَعُ الِابْتِدَاءَ لِأَنَّ امْرَأَةً تَحْتَ زَوْجٍ لَوْ طَرَأَتْ عَلَيْهَا عِدَّةٌ مِنْ وَطْءٍ بِشُبْهَةٍ لَمْ يَمْنَعْ مَا وَجَبَ مِنَ الْعِدَّةِ بَقَاءَ الْحُكْمِ ، فَثَبَتَ أَنَّ الْعِدَّةَ إِنَّمَا تَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الْعَقْدِ وَلَا تَمْنَعُ الْبَقَاءَ ؛ فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا .
[ ص: 91 ] وَمِنْ جِهَةٍ أُخْرَى أَنَّ الْعِدَّةَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَهُمْ غَيْرُ مُؤَاخَذِينَ بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى فِي أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ ، فَإِذَا لَمْ تَكُنْ عِنْدَهُمْ عِدَّةٌ وَاجِبَةٌ لَمْ تَكُنْ عَلَيْهَا عِدَّةٌ ، فَجَازَ نِكَاحُهَا الثَّانِي . وَلَيْسَ كَذَلِكَ
nindex.php?page=treesubj&link=10974_10978_10974_10974_10979نِكَاحُ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ ؛ إِذْ لَا يَخْتَلِفُ فِيهَا حُكْمُ الِابْتِدَاءِ وَالْبَقَاءِ فِي بَابِ بُطْلَانِهِ ، وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=11233النِّكَاحُ بِغَيْرِ شُهُودٍ فَإِنَّ الَّذِي هُوَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ وُجُودُ الشُّهُودِ فِي حَالِ الْعَقْدِ ، وَلَا يُحْتَاجُ فِي بَقَائِهِ إِلَى اسْتِصْحَابِ الشُّهُودِ ؛ لِأَنَّ الشُّهُودَ لَوِ ارْتَدُّوا بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ مَاتُوا لَمْ يُؤَثِّرْ ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ ؛ فَإِذَا كَانَ إِنَّمَا يُحْتَاجُ إِلَى الشُّهُودِ لِلِابْتِدَاءِ لَا لِلْبَقَاءِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُمْنَعَ الْبَقَاءُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لِأَجْلِ عَدَمِ الشُّهُودِ . وَمِنْ جِهَةٍ أُخْرَى أَنَّ النِّكَاحَ بِغَيْرِ شُهُودٍ مُخْتَلَفٌ فِيهِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ ، فَمِنْهُمْ مَنْ يُجِيزُهُ ، وَالِاجْتِهَادُ سَائِغٌ فِي جَوَازِهِ ، وَلَا يُعْتَرَضُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ إِذَا عَقَدُوهُ مَا لَمْ يَخْتَصِمُوا فِيهِ ، فَغَيْرُ جَائِزٍ فَسْخُهُ إِذَا عَقَدُوهُ فِي حَالِ الْكُفْرِ ؛ إِذْ كَانَ ذَلِكَ سَائِغًا جَائِزًا فِي وَقْتِ وُقُوعِهِ ، لَوْ أَمْضَاهُ حَاكِمٌ مَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ جَازَ وَلَمْ يَجُزْ بَعْدَ ذَلِكَ فَسْخُهُ وَإِنَّمَا اعْتَبَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبُو حَنِيفَةَ تَرَاضِيَهُمَا جَمِيعًا بِأَحْكَامِنَا مِنْ قِبَلِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=42فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ فَشَرَطَ مَجِيئَهُمْ ، فَلَمْ يَجُزِ الْحُكْمُ عَلَى أَحَدِهِمَا بِمَجِيءِ الْآخَرِ .
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : إِذَا رَضِيَ أَحَدُهُمَا بِأَحْكَامِنَا فَقَدْ لَزِمَهُ حُكْمُ الْإِسْلَامِ فَيَصِيرُ بِمَنْزِلَتِهِ لَوْ أَسْلَمَ فَيُحْمَلُ الْآخَرُ مَعَهُ عَلَى حُكْمِ الْإِسْلَامِ .
قِيلَ لَهُ : هَذَا غَلَطٌ ؛ لِأَنَّ رِضَاهُ بِأَحْكَامِنَا لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ إِيجَابًا ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ رَجَعَ عَنِ الرِّضَا قَبْلَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ لَمْ يَلْزَمْهُ إِيَّاهُ وَبَعْدَ الْإِسْلَامِ يُمْكِنُهُ الرِّضَا بِأَحْكَامِنَا ؟ وَأَيْضًا إِذَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يُعْتَرَضَ عَلَيْهِمْ إِلَّا بَعْدَ الرِّضَا بِحُكْمِنَا فَمَنْ لَمْ يَرْضَ بِهِ مُبْقًى عَلَى حُكْمِهِ لَا يَجُوزُ إِلْزَامُهُ حُكْمًا لِأَجْلِ رِضَا غَيْرِهِ . وَذَهَبَ
مُحَمَّدٌ إِلَى أَنَّ رِضَا أَحَدِهِمَا يُلْزِمُ الْآخَرَ حُكْمَ الْإِسْلَامِ كَمَا لَوْ أَسْلَمَ . وَذَهَبَ
nindex.php?page=showalam&ids=14954أَبُو يُوسُفَ إِلَى ظَاهِرِ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=49وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=43وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ يَعْنِي : اللَّهُ أَعْلَمُ فِيمَا تَحَاكَمُوا إِلَيْكَ فِيهِ ؛ فَقِيلَ : إِنَّهُمْ تَحَاكَمُوا إِلَيْهِ فِي حَدِّ الزَّانِيَيْنِ ، وَقِيلَ : فِي الدِّيَةِ بَيْنَ
بَنِي قُرَيْظَةَ وَبَنِي النَّضِيرِ ؛ فَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُمْ لَمْ يَتَحَاكَمُوا إِلَيْهِ تَصْدِيقًا مِنْهُمْ بِنُبُوَّتِهِ ، وَإِنَّمَا طَلَبُوا الرُّخْصَةَ ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=43وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ يَعْنِي هُمْ غَيْرُ مُؤْمِنِينَ بِحُكْمِكَ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مَعَ جَحْدِهِمْ بِنُبُوَّتِكَ وَعُدُولِهِمْ عَمَّا يَعْتَقِدُونَهُ حُكْمًا لِلَّهِ مِمَّا فِي التَّوْرَاةِ . وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ حِينَ طَلَبُوا غَيْرَ حُكْمِ اللَّهِ وَلَمْ يَرْضَوْا بِهِ فَهُمْ كَافِرُونَ غَيْرُ مُؤْمِنِينَ . وَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=43وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ حُكْمَ التَّوْرَاةِ فِيمَا اخْتَصَمُوا فِيهِ لَمْ يَكُنْ مَنْسُوخًا ، وَأَنَّهُ
[ ص: 92 ] صَارَ بِمَبْعَثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَرِيعَةً لَنَا لَمْ يُنْسَخْ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ نُسِخَ لَمْ يُطْلَقْ عَلَيْهِ بَعْدَ النَّسْخِ أَنَّهُ حُكْمُ اللَّهِ ، كَمَا لَا يُطْلَقُ أَنَّ حُكْمَ اللَّهِ تَحْلِيلُ الْخَمْرِ أَوْ تَحْرِيمُ السَّبْتِ .
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ شَرَائِعَ مَنْ قَبْلَنَا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ لَازِمَةٌ لَنَا مَا لَمْ تُنْسَخْ ، وَأَنَّهَا حُكْمُ اللَّهِ بَعْدَ مَبْعَثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَدْ رُوِيَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=43فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ بِالرَّجْمِ ؛ لِأَنَّهُمُ اخْتَصَمُوا إِلَيْهِ فِي حَدِّ الزِّنَا . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16815قَتَادَةُ : فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ بِالْقَوَدِ لِأَنَّهُمُ اخْتَصَمُوا فِي ذَلِكَ . وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونُوا تَحَاكَمُوا إِلَيْهِ فِيهِمَا جَمِيعًا مِنَ الرَّجْمِ وَالْقَوَدِ . قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=44إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا رُوِيَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الْحَسَنِ nindex.php?page=showalam&ids=16815وَقَتَادَةَ nindex.php?page=showalam&ids=16584وَعِكْرِمَةَ nindex.php?page=showalam&ids=12300وَالزُّهْرِيِّ nindex.php?page=showalam&ids=14468وَالسُّدِّيِّ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرَادٌ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=44يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11943أَبُو بَكْرٍ : وَذَلِكَ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَكَمَ عَلَى الزَّانِيَيْنِ مِنْهُمْ بِالرَّجْمِ وَقَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=698760اللَّهُمَّ إِنِّي أَوَّلُ مَنْ أَحْيَا سُنَّةً أَمَاتُوهَا وَكَانَ ذَلِكَ فِي حُكْمِ التَّوْرَاةِ ؛ وَحَكَمَ فِيهِ بِتَسَاوِي الدِّيَاتِ وَكَانَ ذَلِكَ أَيْضًا حُكْمَ التَّوْرَاةِ ؛ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ حَكَمَ عَلَيْهِمْ بِحُكْمِ التَّوْرَاةِ لَا بِحُكْمِ مُبْتَدَأِ شَرِيعَةٍ . وَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=44وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : " شُهَدَاءُ عَلَى حُكْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ فِي التَّوْرَاةِ " . وَقَالَ غَيْرُهُ : " شُهَدَاءُ عَلَى ذَلِكَ الْحُكْمِ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ " .
وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=44فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ قَالَ فِيهِ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيُّ : لَا تَخْشَوْهُمْ فِي كِتْمَانِ مَا أَنْزَلْتَ " . وَحَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=13433عَبْدُ الْبَاقِي بْنُ قَانِعٍ قَالَ : حَدَّثَنَا
الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ : حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=12074أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَامٍ : حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=16349عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=15744حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ
حُمَيْدٍ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الْحَسَنِ قَالَ : " إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخَذَ عَلَى الْحُكَّامِ ثَلَاثًا : أَنْ لَا يَتَّبِعُوا الْهَوَى ، وَأَنْ يَخْشَوْهُ وَلَا يَخْشَوُا النَّاسَ ، وَأَنْ لَا يَشْتَرُوا بِآيَاتِهِ ثَمَنًا قَلِيلَا " . ثُمَّ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=26يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى الْآيَةَ ، وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=44إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا إِلَى قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=44فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ فَتَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْآيَةُ مَعَانٍ : مِنْهَا الْإِخْبَارُ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ حَكَمَ عَلَى
الْيَهُودِ بِحُكْمِ التَّوْرَاةِ .
وَمِنْهَا : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=27262_26215_8745حُكْمَ التَّوْرَاةِ كَانَ بَاقِيًا فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّ مَبْعَثَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُوجِبْ نَسْخَهُ ؛ وَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْحُكْمَ كَانَ ثَابِتًا لَمْ يُنْسَخْ بِشَرِيعَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَمِنْهَا إِيجَابُ الْحُكْمِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَنْ لَا يَعْدِلَ عَنْهُ وَلَا يُحَابِي فِيهِ مَخَافَةَ النَّاسِ . وَمِنْهَا : تَحْرِيمُ أَخْذِ الرُّشَا فِي الْأَحْكَامِ ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=44وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلا [ ص: 93 ] وَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=44وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : " هُوَ فِي الْجَاحِدِ لِحُكْمِ اللَّهِ " . وَقِيلَ : " هِيَ فِي
الْيَهُودِ خَاصَّةً " . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنُ مَسْعُودٍ nindex.php?page=showalam&ids=14102وَالْحَسَنُ nindex.php?page=showalam&ids=12354وَإِبْرَاهِيمُ : " هِيَ عَامَّةٌ " يَعْنِي فِيمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَحَكَمَ بِغَيْرِهِ مُخْبِرًا أَنَّهُ حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى ، وَمَنْ فَعَلَ هَذَا فَقَدْ كَفَرَ فَمَنْ جَعَلَهَا فِي قَوْمٍ خَاصَّةً وَهُمُ
الْيَهُودُ ، لَمْ يَجْعَلْ " مَنْ " بِمَعْنَى الشَّرْطِ ، وَجَعَلَهَا بِمَعْنَى الَّذِي لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ ، وَالْمُرَادُ قَوْمٌ بِأَعْيَانِهِمْ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=48الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ ، وَذَكَرَ قِصَّةَ رَجْمِ
الْيَهُودِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=41يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ الْآيَاتِ ، إِلَى قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=44وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ قَالَ : " فِي
الْيَهُودِ خَاصَّةً " وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=45فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=47فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ " فِي الْكُفَّارِ كُلِّهِمْ " . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الْحَسَنُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=44وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ نَزَلَتْ فِي
الْيَهُودِ وَهِيَ عَلَيْنَا وَاجِبَةٌ . وَقَالَ
أَبُو مِجْلَزٍ : " نَزَلَتْ فِي
الْيَهُودِ " . وَقَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : نَزَلَتْ فِي
الْيَهُودِ ثُمَّ جَرَتْ فِينَا " .
وَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=16004سُفْيَانُ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=15683حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=11827أَبِي الْبَخْتَرِيِّ قَالَ : قِيلَ
nindex.php?page=showalam&ids=21لِحُذَيْفَةَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=44وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ نَزَلَتْ فِي
بَنِي إِسْرَائِيلَ ؟ قَالَ : " نَعَمْ ، الْإِخْوَةُ لَكُمْ
بَنُو إِسْرَائِيلَ ، إِنْ كَانَتْ لَكُمْ كُلُّ حُلْوَةٍ وَلَهُمْ كُلُّ مُرَّةٍ ، وَلَتَسْلُكُنَّ طَرِيقَهُمْ قَدَّ الشِّرَاكِ " . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12354إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ : " نَزَلَتْ فِي
بَنِي إِسْرَائِيلَ وَرَضِيَ لَكُمْ بِهَا " .
وَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=16004الثَّوْرِيُّ عَنْ
زَكَرِيَّا عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشَّعْبِيِّ قَالَ الْأُولَى لِلْمُسْلِمِينَ وَالثَّانِيَةُ
لِلْيَهُودِ وَالثَّالِثَةُ
لِلنَّصَارَى " . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16248طَاوُسٌ : " لَيْسَ بِكُفْرٍ يُنْقَلُ عَنِ الْمِلَّةِ " وَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=16248طَاوُسٌ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : " لَيْسَ الْكُفْرُ الَّذِي يَذْهَبُونَ إِلَيْهِ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=44وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ "
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16568عَطَاءٍ كُفْرٌ دُونَ كُفْرٍ وَظُلْمٌ دُونَ ظُلْمٍ وَفِسْقٌ دُونَ فِسْقٍ " . وَقَالَ
عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ رَضِيَ اللًّهُ عَنْهُمَا : " لَيْسَ بِكُفْرِ شِرْكٍ وَلَا ظُلْمِ شِرْكٍ وَلَا فِسْقِ شِرْكٍ " . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11943أَبُو بَكْرٍ : قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=44وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ كُفْرَ الشِّرْكِ وَالْجُحُودِ أَوْ كُفْرَ النِّعْمَةِ مِنْ غَيْرِ جُحُودٍ ؛ فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ
nindex.php?page=treesubj&link=10014_23640جُحُودَ حُكْمِ اللَّهِ أَوِ الْحُكْمَ بِغَيْرِهِ مَعَ الْإِخْبَارِ بِأَنَّهُ حُكْمُ اللَّهِ ، فَهَذَا كُفْرٌ يُخْرِجُ عَنِ الْمِلَّةِ وَفَاعِلُهُ مُرْتَدٌّ إِنْ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ مُسْلِمًا ؛ وَعَلَى هَذَا تَأَوَّلَهُ مَنْ قَالَ : " إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي
بَنِي إِسْرَائِيلَ وَجَرَتْ فِينَا " يَعْنُونَ أَنَّ مَنْ جَحَدَ مِنَّا حُكْمَ اللَّهِ أَوْ حَكَمَ بِغَيْرِ حُكْمِ اللَّهِ ثُمَّ قَالَ إِنَّ هَذَا حُكْمُ اللَّهِ ، فَهُوَ كَافِرٌ كَمَا كَفَرَتْ
بَنُو إِسْرَائِيلَ حِينَ فَعَلُوا ذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ كُفْرَ النِّعْمَةِ فَإِنَّ كُفْرَانَ النِّعْمَةِ قَدْ يَكُونُ بِتَرْكِ الشُّكْرِ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ جُحُودٍ ، فَلَا يَكُونُ فَاعِلُهُ خَارِجًا مِنَ الْمِلَّةِ ؛ وَالْأَظْهَرُ هُوَ الْمَعْنَى الْأَوَّلُ لِإِطْلَاقِهِ اسْمَ الْكُفْرِ عَلَى مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ .
[ ص: 94 ] وَقَدْ تَأَوَّلَتِ
الْخَوَارِجُ هَذِهِ الْآيَةَ عَلَى تَكْفِيرِ مَنْ تَرَكَ الْحُكْمَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ غَيْرِ جُحُودٍ لَهَا ، وَأَكْفَرُوا بِذَلِكَ كُلَّ مَنْ عَصَى اللَّهَ بِكَبِيرَةٍ أَوْ صَغِيرَةٍ ، فَأَدَّاهُمْ ذَلِكَ إِلَى الْكُفْرِ وَالضَّلَالِ بِتَكْفِيرِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِصَغَائِرِ ذُنُوبِهِمْ .